(وقال الكافرون هذا ساحر كذاب) قالوا هذا القول لما شاهدوا ما جاء به من المعجزات الخارجة عن قدرة البشر، أي هذا المدعي للرسالة ساحر فيما يظهره من المعجزات، كذاب فيما يدعيه من أن الله أرسله، قيل ووضع الظاهر موضع المضمر لإظهار الغضب عليهم وأن ما قالوه لا يتجاسر على مثله إلا المتوغلون في الكفر، المنهمكون في الغي، إذ لا كفر أغلظ من أن يسموا من صدقه الله: كاذباً ساحراً، ويتعجبوا من التوحيد، وهو الحق الأبلج، ولا يتعجبوا من الشرك، وهو باطل لجلج، ثم أنكروا ما جاء به ﷺ من التوحيد وما نفاه من الشركاء لله فقالوا:
(أجعل الآلهة) أي صيرها (إلهاً واحداً) وقصرها على الله سبحانه (إن هذا لشيء عجاب) أي الأمر بالغ في العجب إلى الغاية تعجبوا من هذا القصر والحصر وقالوا: كيف يسع الخلق كلهم إله واحد، ومنشؤه أن القوم ما كانوا أصحاب نظر واستدلال بل كانت أوهامهم تابعة للمحسوسات فلما وجدوا في الشاهد أن الفاعل الواحد لا تفي قدرته وعلمه بحفظ الخلائق قاسوا الغائب على الشاهد، وأن أسلافهم لكثرتهم وقوة عقولهم كانوا مطبقين على الشرك توهموا أن كونهم على هذه الحال محال أن يكونوا مبطلين فيه، ويكون الإنسان الواحد محقاً، فلعمري لو كان التقليد حقاً كانت هذه الشبهة لازمة، قاله الكرخي.
قال الجوهري: العجيب الأمر الذي يتعجب منه وكذلك العجاب بالضم، والعجاب بالتشديد أكثر منه، قرأ الجمهور عجاب بالتخفيف وقرىء بتشديد الجيم، قال مقاتل: بالتخفيف لغة أزد شنوءة، قيل: والعجاب بالتخفيف والتشديد يدل على أنه قد يجاوز الحد في العجب كما يقال: الطويل للذي فيه طول والطوال للذي قد تجاوز حد الطول وكلام الجوهري يفيد اختصاص المبالغة بعجاب مشدد الجيم لا بالمخفف وقد قدمنا في صدر هذه السورة سبب نزول هذه الآيات.


الصفحة التالية
Icon