لأن تكذيب الحزب لرسوله المرسل إليه تكذيب لجميع الرسل لأن دعوتهم واحدة، وهي التوحيد، أو هو من مقابلة الجمع بالجمع، والمراد تكذيب كل حزب لرسوله، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي ما كان أحد من الأحزاب في جميع أحواله إلا وقع منه تكذيب الرسل، وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية، أولا، وبالاستثنائية ثانياً، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد، أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشد العقاب وأبلغه؛ ثم قال:
(فحق عقاب) أي فحق عليهم عقابي بتكذيبهم. ومعنى حق ثبت ووجب وإن تأخر فكأنه واقع بهم. وكل ما هو آت قريب. وقرىء عقاب بإثبات الياء وحذفها مطابقة لرؤوس الآي. وفي الآية زجر وتخويف للسامعين.
(وما ينظر) أي ما ينتظر (هؤلاء) أي كفار مكة (إلا صيحة واحدة) وهي النفخة الكائنة عند قيام الساعة (١). وقيل: هي النفخة الثانية. وعلى الأول المراد من عاصر نبينا ﷺ من الكفار.
وعلى الثاني المراد كفار الأمم المذكورة أي ليس بينهم وبين ما أعد الله لهم من عذاب النار إلا أن ينفخ في الصور النفخة الثانية. وقيل: المراد بالصيحة عذاب يفجأهم في الدنيا وجملة:
(ما لها من فواق) في محل نصب صفة لصيحة، قال الزجاج. فواق بفتح الفاء وضمها لغتان بمعنى واحد (٢)، وهو الزمان الذي بين حلبتي الحالب، ورضعتي الراضع، وهو مشتق من الرجوع أيضاًً، لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين، ويقال. أفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة، ولهذا قال مجاهد ومقاتل. إن الفواق الرجوع، وقال قتادة: ما لها من مثنوية
_________
(١) قال ابن كثير: وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله تعالى إسرافيل أن يطولها فلا يبقى أحد.
(٢) عن أنس بن مالك قال رسول الله عليه وسلم: العيادة فواق الناقة " رواه السيوطي في الجامع الصغير ".