على ما يعتقدونه، وقال مجاهد: قالوا نحن أعلم منهم لن نعذب ولن نبعث، وقيل المراد من العلم علم أحوال الدنيا لا الدين كما في قوله:
(يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) قال النسفي: أو علم الفلاسفة والدهريين، فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم، وعن سقراط أنه سمع بموسى وقيل له لو هاجرت إليه؟ فقال: نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا، أو المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء به، كأنه قال: استهزأوا بالبينات وبما جاؤوا به من علم الوحي، فرحين مرحين، انتهى: وقيل: الذين فرحوا بما عندهم من العلم هم الرسل، وذلك أنهم لما كذبهم قومهم وأعلمهم الله بأنه مهلك الكافرين ومنجى المؤمنين، ففرحوا بذلك.
(وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أي أحاط بهم جزاء استهزائهم
(فلما رأوا باسنا) أي عاينوا عذابنا النازل بهم في الدنيا (قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) وهي الأصنام التي كانوا يعبدونها.
(فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) أي عند معاينة عذابنا لأن ذلك الإيمان ليس بالإيمان النافع لصاحبه، فإنه إنما ينفع الإِيمان الاختياري لا الإِيمان الاضطراري، والفاآت من قوله: فما أغنى إلى هنا أربع: الأولى لبيان عاقبة كثرتهم وشدة قوتهم، أي أن عاقبتها خلاف وضد ما كانوا يؤملونه منها، وهو نفعها، فلم يترتب عليها، بل ترتب عدمه، كقولك: وعظته فلم يتعظ، والثانية تشير لتفصيل ما أبهم وأجمل من عدم الإغناء، والثالثة لمجرد التعقيب، وجعل ما بعدها تابعاً لما قبلها واقعاً عقيبه، لأن مضمون قوله: فلما جاءتهم الخ أنهم كفروا فكأنه قيل فكفروا ثم لما رأوا بأسنا آمنوا والرابعة للعطف على آمنوا، كأنه قيل: فآمنوا فلم ينفعهم، لأن النافع هو الإيمان الاختياري (١).
(سنة الله التي قد خلت) أي مضت (في عباده) المعنى أن الله
_________
(١) زاد المسير/٢٣٨.


الصفحة التالية
Icon