(ومن بيننا وبينك حجاب) أي ستر (ومن) لابتداء الغاية، والمعنى أن الحجاب ابتدىء منا وابتدىء منك، فالمسافة المتوسطة بين جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب، لا فراغ فيها، ولو قيل: بيننا وبينك حجاب ولم تأت لفظة من لكان المعنى أن الحجاب حاصل وسط الجهتين، والمقصود المبالغة بالتباين المفرط، فلذلك جيء بمن وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وتقبله واعتقاده، كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها، ومج أسماعهم له كأن بها صمماً عنه، ولتباعد المذهبين والدينين، وامتناع المواصلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن بينهم وما هم عليه، وبين رسول الله ﷺ وما هو عليه حجاباً ساتراً، وحاجزاً منيعاً، من جبل أو نحوه. فلا تلاقي ولا ترائي.
(فاعمل) أي استمر على دينك وهو التوحيد (إننا عاملون) أي مستمرون على ديننا، وهو الإشراك، وقال الكلبي: اعمل في هلاكنا فإنا عاملون في هلاكك، وقال مقاتل: إعمل لإلهك الذي أرسلك فإنا نعمل لآلهتنا التي نعبدها، وقيل: فاعمل لآخرتك فإنا عاملون لدنيانا، أو فاعمل في إبطال أمرنا فإنا نعمل في إبطال أمرك، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عن قولهم هذا فقال:
(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) أي إنما أنا كواحد منكم لولا الوحي، ولم أكن من جنس مغاير لكم حتى تكون قلوبكم في أكنة مما أدعوكم إليه، وفي آذانكم وقر، ومن بيني وبينكم حجاب، ولم أدعكم إلى ما يخالف العقل، وإنما أدعوكم إلى التوحيد.
قرأ الجمهور يوحي مبنياً للمفعول وقرأ الأعمش والنخعي مبنياً للفاعل، أي يوحي الله إليّ، قيل: ومعنى الآية أني لا أقدر على أن أحملكم على الإيمان قسراً فإني بشر مثلكم، ولا امتياز لي عنكم إلا أني أوحي إلي التوحيد، والأمر به، فعلى البلاغ وحده، فإن قبلتم رشدتم؛ وإن أبيتم