وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) استغناء بما تقدم من ذكر تقديرها وتقدير ما فيها، ومعنى ائتيا إفعلا ما آمركما به، وجيئا به، كما يقال: ائت ما هو الأحسن أي افعله، وقيل: المعنى ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، ائتي يا أرض مدحورة قراراً ومهاداً لأهلك، وائتي يا سماء مقببة سقفاً لهم.
قال الواحدي: قال المفسرون: إن الله سبحانه قال: أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وأما أنت يا أرض فشققي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك، قاله ابن عباس، قرأ الجمهور ائتيا أمراً من الإتيان وقرىء آتيا قالتا آتينا، بالمد فيهما، وهو من المؤاتاة وهي الموافقة أي لتوافق كل منكما الأخرى لما يليق بها، وإليه ذهب الرازي والزمخشري، أو من الإيتاء وهو الإِعطاء قاله ابن عباس، فوزنه على الأول فاعلا كقاتلا، وعلى الثاني أفعلا كأكرما، وطوعاً وكرهاً مصدران في موضع الحال، أي طائعتين أو مكرهتين، وقرىء كرهاً بالضم.
قال الزجاج: أطيعا طاعة أو تكرهان كرهاً، قيل: ومعنى هذا الأمر لهما التسخير والحصول والوقوع أي كونا فكانتا، كما قال تعالى: (إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) فالكلام من باب التمثيل لتأثير قدرته واستحالة امتناعهما أو من باب الاستعارة التخييلية.
(قالتا أتينا طائعين) أي أتينا أمرك منقادين وجمعهما جمع من يعقل لخطابهما بما يخاطب به العقلاء، وجمع الأمر لهما في الإخبار عنه لا يدل على جمعه في الزمان، بل قد يكون القول لهما متعاقباً، قال القرطبي: قال أكثر أهل العلم إن الله سبحانه خلق فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد سبحانه، وقيل هو تمثيل لظهور الطاعة منهما وتأثير القدرة الربانية فيهما، والأول أولى، قال أبو نصر السكسي فنطق من الأرض موضع الكعبة، ونطق من السماء بحيالها، فوضع الله فيه حرمة.