(فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ) قد تقدم أن الصاعقة اسم للشيء المهلك لأي شيء كان، والهون الهوان والإهانة، فكأنه قال أصابهم مهلك العذاب ذي الهوان أو الإِهانة، ويقال عذاب هون أي مهين كقوله (ما لبثوا في العذاب المهين) (بما كانوا يكسبون) الباء للسببية أي بسبب الذي كانوا يكسبونه، أو بسبب كسبهم وهو شركهم وتكذيبهم صالحاً.
(ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) وهم صالح ومن معه من المؤمنين فإن الله نجاهم من ذلك العذاب وكانوا أربعة آلاف. ثم لما ذكر سبحانه ما عاقبهم به في الدنيا ذكر ما عاقبهم به في الآخرة فقال:
(ويوم يحشر أعداء الله إلى النار) وصفهم بكونهم أعداء الله مبالغة في ذمهم، وقيل المراد بهم الكفار مطلقاً الأولين والآخرين، أي أذكر لقريش المعاندين لك حال الكفار يوم القيامة، لعلهم يرتدعوا وينزجروا، ومعنى حشرهم إلى النار سوقهم إليها أو إلى موقف الحساب، لأنه يتبين عنده فريق الجنة وفريق النار، قرأ الجمهور يحشر بالتحتية مضمومة ورفع أعداء على النيابة، وقرأ نافع بالنون ونصب أعداء.
(فهم يوزعون) أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا، كذا قال قتادة والسدي وغيرهما، وبه قال ابن عباس أي يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم، وهي عبارة عن كثرة أهل النار، وأصله من وزعته أي كففته، وقد سبق تحقيق معناه في سورة النمل مستوفى، وعن ابن عباس قال: يدفعون، وقيل يساقون.
(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا) أي النار التي حشروا إليها وصاروا بحضرتها أو موقف الحساب و (ما) مزيدة للتوكيد (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) في الدنيا من المعاصي، وفي كيفية هذه الشهادة ثلاثة أقوال، أولها أن الله تعالى يخلق الفهم والقدرة والنطق فيها فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه، ثانيها أنه تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات