تكن زائدة لأفضى ذلك إلى المحال، إذ يكون المعنى أن له مثلاً وليس لمثله مثل، وفي ذلك تناقض، لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل، وهو هو مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال، وهذا تقرير حسن، ولكنه يندفع ما أورده بما ذكرناه من كون الكلام خارجاً مخرج الكناية.
ومن فهم هذه الآية الكريمة حق فهمها، وتدبرها حق تدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين في الصفات على طريقة بيضاء واضحة، ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله (وهو السميع البصير) فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للمثل، قد اشتمل على برد اليقين، وشفاء الصدور، وانثلاج القلوب فاقدر يا طالب الحق قدر هذه الحجة النيرة، والبرهان القوي، فإنك تحطم بها كثيراً من البدع، وتهشم بها رؤوساً من الضلالة، وترغم بها آناف طوائف من القاصرين المتكلفين، والمتكلمين المتأولين، ولا سيما إذا ضممت إليه قول الله سبحانه (ولا يحيطون به علماً) فإنك حينئذ قد أخذت بطرفي حبل ما يسمونه علم الكلام وعلم أصول الدين.

ودع عنك نهياً صيح في حجراته ولكن حديث ما حديث الرواحل
وهو السميع الخ خبر ثامن وقوله:
(له مقاليد السموات والأرض) خبر تاسع جمع مقلاد أو مقليد أو قليد، وهو المفتاح جمع على خلاف القياس أي مفاتيحهما أو خزائنهما، والمراد المطر والنبات وغيرهما كالجواهر المستخرجة من الأرض، قال النحاس: والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن وقد تقدم تحقيقه في سورة الزمر.
ثم لما ذكر سبحانه أن بيده مقاليدهما ذكر بعده البسط والقبض فقال (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) خبر عاشر أي يوسعه لمن يشاء كالروم والفرس ويضيقه على من يشاء كالعرب (إنه بكل شيء) من الأشياء (عليم) فلا تخفي عليه خافية، وإحاطة علمه بكل شيء يندرج تحتها علمه بطاعة المطيع ومعصية العاصي فهو يجازي كُلاًّ بما يستحقه من خير وشر.


الصفحة التالية
Icon