بلفظ التثنية لما ذكرنا من أن لفظ الخصم يحتمل المفرد والمثنى والمجموع، فالكل جائز قال الخليل: هو كما تقول: نحن فعلنا كذا إذا كنتما اثنين: وقال الكسائي جمع لما كان خبراً فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة أخبر الإثنان عن أنفسهما فقالا: خصمان وقوله.
(بغى بعضنا على بعض) هو على سبيل الفرض والتقدير أو على سبيل التعريض، لأن من المعلوم أن الملكين لا يبغيان؛ ثم طلبا منه أن يحكم بينهما بالحق ونهياه عن الجور فقالا: (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) أي لا تجر في حكمك يقال: شط الرجل وأشط شططاً وإشطاطاً إذا جار في حكمه وتجاوز الحد قال أبو عبيدة شططت عليه وأشططت فيه أي جرت فهو مما اتفق فيه فعل وأفعل وقال الأخفش معناه لا تسرف وقيل لا تفرط وقيل لا تمل والمعنى متقارب والأصل فيه البعد من شطت الدار إذا بعدت قال أبو عمر: والشطط مجاوزة القدر في كل شيء.
(وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) أي وسطه ومحجته أي العدل والصواب، والمعنى أرشدنا إلى الحق واحملنا عليه ثم لما أخبراه عن الخصومة إجمالاً شرعا في تفصيلها وشرحها فقال:
(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) المراد بالأخوة هنا أخوة الدين، قاله ابن مسعود، أو الصحبة أو الألفة أو أخوة الشركة والخلطة، والنعجة هي الأنثى من الضأن، وقد يقال لبقر الوحش: نعجة ويعبر بها عن المرأة لما هي عليه من السكون والعجز وضعف الجانب وقد يكنّى عنها بالبقرة والحجر والناقة لأن الكل مركوب قال الواحدي النعجة البقرة الوحشية والعرب تكني عن المرأة بها وتشبه النساء بالنعاج من البقر، قرأ الجمهور تسع وتسعون بكسر التاء، وقرىء بفتحها، قال النحاس وهي لغة شاذة، وإنما عنى بهذا داود لأنه كان له تسع وتسعون امرأة وعنى بقوله:
(ولي نعجة واحدة) أوريا زوج المرأة التي أراد أن يتزوجها داود (١) كما تقدم بيان ذلك (فقال أكفلنيها) أي ضمها إليّ وانزل لي عنها حتى أكفلها
_________
(١) راجع تعليقات المطيعي رقم ١ في الاستدراك آخر الكتاب.


الصفحة التالية
Icon