وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٣١)
(وهو الذي ينزل) بالتشديد والتخفيف سبعيتان (الغيث) أي المطر الذي هو أرفع أنواع الرزق وأعمها فائدة، وأكثرها منفعة ومصلحة (من بعد ما قنطوا) أي أيسوا عن ذلك، فيعرفون بهذا الإنزال للمطر بعد القنوط مقدار رحمته لهم ويشكرون له ما يجب الشكر عليه، والعامة على فتح النون، وقرىء بكسرها وهي لغة، وعليها قرىء لا تقنطوا بفتح النون في المتواتر ولم يقرأ بالكسر في الماضي إلا شاذاً وما مصدرية أي من بعد قنوطهم.
(وينشر رحمته) أي بركات الغيث ومنافعه في كل شيء من السهل والجبل، والنبات والحيوان، وما يحصل به من الخصب أو رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر انتظاماً أولياً، والمراد بالرحمة المطر، فذكر المطر بإسمين الغيث لأنه يغيث من الشدائد، والرحمة لأنه رأفة وإحسان.
(وهو الولي) للصالحين من عباده بالإحسان وجلب المنافع لهم ودفع الشرور عنهم (الحميد) المستحق للحمد منهم على إنعامه خصوصاً وعموماً، ثم ذكر سبحانه بعض آياته الدالة على كمال قدرته الموجبة لتوحيده وصدق ما وعد به من البعث فقال:
(ومن آياته خلق السموات والأرض) أي خلقهما على هذه الكيفية العجيبة، والصنعة الغريبة، الدالة على وجود صانع حكيم قادر، وفيه إشارة إلى ما قرر في الكلام من المسالك الأربعة في الإستدلال على وجود الصانع تعالى، وهي حدوث الجواهر، وإمكانها، وحدوث الأعراض القائمة بها،