يجرين في البحر (إن في ذلك) الذي ذكر من أمر السفينة (لآيات) دلالات عظيمة (لكل صبار شكور) أي لكل من كان كثير الصبر على البلوى كثير الشكر على النعماء، قيل الإيمان نصفان نصف صبر عن المعاصي ونصف شكر وهو الإتيان بالواجبات، وقال قطرب: الصبار الشكور الذي إذا أعطى شكر، وإذا ابتلى صبر، قال عون ابن عبد الله فكم من منعم عليه غير شاكر وكم من مبتلي غير صابر.
(أو يوبقهن) أي يهلكهن بالغرق قاله ابن عباس والمراد أهلكهن يقال أوبقه أي أهلكه (بما كسبوا) من الذنوب، وقيل بما أشركوا والأول أولى، فإنه يهلك في البحر المشرك وغير المشرك (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) من أهلها بالتجاوز عن ذنوبهم؛ فينجيهم من الغرق، قرأ الجمهور يعف بالجزم عطفاً على جواب الشرط، قال القشيري، وفي هذه القراءة إشكال لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكد، أو يهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف (ويعف) على هذا لأنه يصير المعنى إن يشأ يعف، وليس المعنى ذلك بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة، فهو إذن عطف على المجزوم من حيث اللفظ، لا من حيث المعنى، وقد قرأ قوم يعفو بالرفع وهي جيدة في المعنى، قال أبو حيان: وما قاله ليس بجيد إذ لم يفهم مدلول التركيب، والمعنى ألا إنه تعالى إن يشأ أهلك ناساً وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم، وقرىء بالنصب بإضمار إن بعد الواو.
(ويعلم الذين يجادلون في آياتنا) قرأ الجمهور بنصب يعلم، قال الزجاج على الصرف، قال: ومعنى الصرف صرف العطف على اللفظ إلى العطف على المعنى، قال: وذلك أنه لما لم يحسن عطف ويعلم مجزوماً على ما قبله إذ يكون المعنى إن يشأ يعلم، عدل إلى العطف على مصدر الفعل الذي قبله، ولا يتأتى ذلك إلا بإضمار إن، ليكون مع الفعل في تأويل اسم، وكما قال الزجاج: قال المبرد وأبو علي الفارسي: واعترض على هذا الوجه بما لا طائل تحته، وقيل النصب على العطف على تعليل محذوف، والتقدير لينتقم