(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) في سبيل الخير، ويتصدقون به على المحاويج، ثم ذكر سبحانه الطائفة التي تنتصر ممن ظلمها فقال:
(والذين إذا أصابهم البغي) أي بغي من بغى عليهم بغير الحق (هم ينتصرون) أي ينتقمون من ظالمهم من غير تعد، ذكر سبحانه هؤلاء المنتصرين في معرض المدح كما ذكر المغفرة عند الغضب في معرض المدح، لأن التذلل لمن بغى ليس من صفات من جعل الله له العزة، حيث قال (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) فالانتصار عند البغي فضيلة، كما أن العفو عند الغضب فضيلة.
قال ابن العربي ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر، في معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعاً للآخر، أو يكون ذلك راجعاً إلى حالتين إحداهما أن يكون الباغي معلناً بالفجور مؤذياً للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل، الثانية أن يقع ذلك ممن لم يعرف بالزلة ويسأل المغفرة فالعفو ههنا أفضل، وهكذا ذكر الكيا الطبري في أحكامه.
وقال النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم السفهاء والفساق، لكن هذا الانتصار مشروط بالاقتصار على ما جعله الله له وعدم مجاوزته كما بينه سبحانه عقب هذا بقوله:
(وجزاء سيئة سيئة مثلها) فبين سبحانه أن العدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة وظاهر هذا العموم، وقال مقاتل والشافعي وأبو حنيفة وسفيان إن هذا خاص بالمجروح، ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره وقال مجاهد والسدي هو جواب القبيح إذا قال شخص أخزاك الله يقول: أخزاك الله من غير أن يعتدي، وإذا انتصر فقد استوفى ظلامته وبرىء الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، والإثم لحق الله تعالى، وتسمية الجزاء سيئة إما لكونها تسوء من وقعت عليه أو على طريق المشاكلة لتشابهما في الصورة.
أخرج النسائي وابن ماجة وابن مردويه عن عائشة قالت: " دخلت عليّ