وغفر) كرره اهتماماً بالصبر وترغيباً فيه، والصبر هنا هو الإصلاح المتقدم. فأعيد هنا وعبر عنه بالصبر، لأنه من شأن أولي العزم وإشارة إلى أن العفو المحمود ما نشأ عن التحمل، لا عن العجز، والمعنى ومن صبر على الأذى وغفر لمن ظلمه لوجه الله ولم ينتصر، وهذا فيمن ظلمه مسلم.
ويحكى أن رجلاً سب رجلاً في مجلس الحسن رحمه الله فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية، فقال الحسن عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون، وبالجملة العفو مندوب إليه ثم قد ينعكس في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوباً إليه كما تقدم، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي، وقطع مادة الأذى.
(إن ذلك) الصبر والمغفرة منه وحذف الراجع لأنه مفهوم كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم (لمن عزم الأمور) قال مقاتل: أي من الأمور التي أمر الله بها، وندب إليها، أو مما ينبغي أن يوجبه العاقل على نفسه ولا يترخص في تركه قال أبو سعيد القرشي الصبر على المكاره من علامات الانتباه فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله تعالى حال الرضاء، وهو أجل الأحوال ومن جزع من المصيبات وشكا وكله الله تعالى إلى نفسه، ثم لم تنفعه شكواه.
وقال الزجاج الصابر يؤتى بصبره ثواباً فالرغبة في الثواب أتم عزماً قال ابن زيد إن هذا كله منسوخ بالجهاد، وأنه خاص بالمشركين، وقال قتادة إنه عام، وهو ظاهر النظم القرآني، وقال هنا بلام التوكيد، وفي لقمان بدونها لأن الصبر على مكروه حدث بظلم كقتل ولد أشد من الصبر على مكروه حدث بلا ظلم كموت ولد، كما أن العزم على الأول آكد منه على الثاني، وما هنا من القبيل الأول فكان أنسب بالتوكيد، وما في لقمان القبيل الثاني فكان أنسب بعدمه، أفاده الكرخي.