ولسانه، حتى يكون مستعداً لقضاء الله بإصلاحه من نفسه، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله، وهو غافل عنه. وقال ابن العربي: ليس بواجب ذكره باللسان بل يستحب وإنما الواجب اعتقاده بالقلب والأول أولى والجمع أفضل.
ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدم ذكرهم فقال:
(وجعلوا له) أي بعد ذلك الاعتراف كما قاله القاضي أو معه كذا في الكشاف، والجملة حالية والجعل تصيير قولي أي حكموا وأثبتوا له أو بمعنى سموا واعتقدوا (مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) أي ولداً وسماه جزءاً دلالة على استحالته على الواحد في ذاته، لأن المركب لا يكون واحد الذات، قال قتادة جزءاً أي عدلاً يعني ما عبد من دون الله، وقال الزجاج والمبرد الجزء هنا البنات، والجزء عند أهل العربية البنات، يقال: قد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات.
وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالبنات من بدع التفسير، وصرح بأنه مكذوب على العرب ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد وهما إماما اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهى في معرفتها، ويؤيد تفسير الجزء بالبنات ما سيأتي من قوله
(أم اتخذ مما يخلق بنات) وقوله
(وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً) وقوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً) وقيل: المراد بالجزء هنا الملائكة فإنهم جعلوهم أولاداً لله سبحانه قاله مجاهد والحسن قال الأزهري، ومعنى الآية أنهم جعلوا لله من عباده نصيباً على معنى أنهم جعلوا نصيب الله من الولدان.
(إن الإنسان) القائل ما تقدم (لكفور مبين) أي ظاهر الكفران مبالغ فيه قيل المراد بالإنسان هنا الكافر فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحوداً بيناً ثم أنكر عليهم هذا فقال: (أم اتخذ مما يخلق بنات) هذا استفهام تقريع وتوبيخ وأم هي المنقطعة بمعنى همزة الإِنكار وقدرها بعضهم ببل التي للانتقال وبعضهم بهما وكل صحيح لأن فيها مذاهب ثلاثة كما نقله أبو حيان والمعنى أتقولون اتخذ ربكم لنفسه البنات.


الصفحة التالية
Icon