وإذا ثبت هذا فنقول: فقد ظهر أن القول بوجوب التقليد يوجب المنع من التقليد، وما أفضى ثبوته إلى نقله كان باطلاً، فوجب أن يكون القول بالتقليد باطلاً، فهذا طريق دقيق في إبطال التقليد، وهو المراد من هذه الآية، الوجه الثاني في بيان أن ترك التقليد والرجوع إلى متابعة الدليل أولى في الدنيا والدين، أنه تعالى بين أن إبراهيم عليه السلام لما عدل عن طريقة أبيه إلى متابعة الدليل، لا جرم جعل الله دينه ومذهبه باقياً في عقبه إلى يوم القيامة، وأما أديان آبائه فقد اندرست وبطلت، فثبت أن الرجوع إلى متابعة الدليل يبقى محمود الأثر إلى قيام الساعة، وأن التقليد والإصرار ينقطع أثره ولا يبقى منه في الدنيا خبر، ولا أثر، فثبت من هذين الوجهين أن متابعة الدليل، وترك التقليد أولى، فهذا بيان المقصود الأصلي من هذه الآية انتهى.
ثم ذكر سبحانه نعمته على قريش، ومن وافقهم من الكفار المعاصرين لهم فقال:
(بل متعت هؤلاء) أي أهل مكة عقب إبراهيم (وَآبَاءَهُمْ) أضرب سبحانه عن الكلام الأول إلى ذكر ما متعهم به من الأنفس والأهل والأموال، والمد في الأعمار، وأنواع النعم، وسلامة الأبدان من البلايا والنقم، وما متع به آباءهم ولم يعاجلهم بالعقوبة فاغتروا بالمهلة، وأنكبوا على الشهوات، وشغلوا بالتنعم عن كلمة التوحيد، وبطروا وتمادوا على الباطل.
(حتى جاءهم الحق) يعني القرآن (ورسول مبين) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، ظاهر الرسالة واضحها، أو مبين لهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين، فلم يجيبوه ولم يعملوا بما أنزل عليه، وفي هذه الغاية خفاء بيّنة في الكشاف وشروحه، وهو أن ما ذكر ليس غاية للتمتيع، إذ لا مناسبة بينهما مع أن مخالفة ما بعدها لما قبلها غير مرعي فيها.
والجواب أن المراد بالتمتيع ما هو سببه من اشتغالهم به عن شكر


الصفحة التالية
Icon