المنعم، فكأنه قال: اشتغلوا به حتى (جاءهم الحق ورسول مبين) وهو غاية في نفس الأمر لأنه مما ينبههم ويزجرهم، لكنهم لطغيانهم عكسوا، فهو كقوله: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أفاده الشهاب ثم بين سبحانه ما صنعوه عند مجيء الحق فقال:
(ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون) أي جاحدون فسموا القرآن سحراً وجحدوه واستحقروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجه النظم أنهم لما عولوا على تقليد الآباء والأسلاف لم يتفكروا في الدليل واغتروا بطول الإمهال، وامتاع الله إياهم بنعيم الدنيا فأعرضوا عن الحق والغرض بهذا الكلام توبيخ المقلد المسيء.
(وقالوا) متحكمين بالباطل (لولا) هلا (نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) أي رجل عظيم من إحدى القريتين كقوله (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) أي من أحدهما، والمراد بهما مكة والطائف، قاله ابن عباس، وبالرجلين الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف، كذا قال قتادة وغيره: وقال مجاهد وغيره عتبة بن ربيعة من مكة وعمير بن عبد ياليل الثقفي من الطائف، وقال ابن عباس، عمير بن مسعود وخيار قريش، وقال أيضاً العظيم الوليد بن المغيرة القرشي وحبيب بن عمير الثقفي، وعنه قال: يعنون أشرف من محمد الوليد بن المغيرة من أهل مكة ومسعود الثقفي من أهل الطائف، وقيل غير ذلك، وظاهر النظم أن المراد رجل من إحدى القريتين عظيم الجاه، واسع المال، مسود في قومه، والمعنى أنه لو كان قرآنا لنزل على رجل من عظماء القريتين، فهؤلاء المساكين قالوا منصب رسالة الله منصب شريف، فلا يليق إلا برجل شريف، وقد صدقوا في ذلك إلا أنهم ضموا إليه مقدمة فاسدة، وهي أن الرجل الشريف عندهم هو الذي يكون كثير المال والجاه، ومحمد صلى الله عليه وسلم، ليس كذلك، فأجاب الله سبحانه عليهم بقوله:


الصفحة التالية
Icon