(فلما آسفونا) أي اغضبونا قاله المفسرون، والأسف الغضب وقيل أشد الغضب، وقيل السخط، وقيل، المعنى أغضبوا رسلنا قال ابن عباس فلما أسخطونا وأغضبونا أي بالإفراط في الفساد والعصيان (انتقمنا منهم) ثم بين العذاب الذي وقع به الانتقام فقال (فأغرقناهم أجمعين) في البحر وإنما أهلكوا بالغرق ليكون هلاكهم بما تعززوا به وهو الماء في قوله (وهذه الأنهار تجري من تحتي) ففيه إشارة إلى أن من تعزز بشيء دون الله أهلكه الله به وقد استضعف اللعينُ موسى وعابه بالفقر والضعف، فسلطه الله تعالى عليه إشارة إلى أنه ما استضعف أحد شيئاًً إلا غلبه، أفاده القشيري.
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي في الشعب وابن أبي حاتم عن عقبة ابن عامر أن رسول الله ﷺ " قال إذا رأيت الله يعطى العبد ما شاء وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك استدراج منه له وقرأ (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) وعن طاوس بن شهاب قال كنت عند عبد الله فذكر عنده موت الفجاءة فقال تخفيف على المؤمن وحسرة على الكافر (فلما آسفونا انتقمنا منهم).
(فجعلناهم سلفاً) أي قدوة لمن عمل بعملهم من الكفار، في استحقاق العذاب، لأجل الاعتبار بهم، قرأ الجمهور سلفاً بفتح السين واللام جمع سالف كخدم وخادم، ورصد وراصد، وحرس وحارس، يقال سلف يسلف إذا تقدم ومضى، قال الفراء والزجاج جعلناهم متقدمين سابقين، ليتعظ بهم الآخرون اللاحقون، وقرىء سلفاً بضم السين واللام، قال الفراء هو جمع سليف نحو سرر وسرير، وقال أبو حاتم هو جمع سلف نحو خشب وخشب، وقرىء بضم السين وفتح اللام جمع سلفة، وهم الفرقة المتقدمة نحو غرف وغرفة، كذا قال النضر بن شميل، وقال ابن عباس سلفاً أهواء مختلفة.


الصفحة التالية
Icon