أنزلناه في ليلة القدر) فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف، ولا ما يقتضي الاشتباه.
قال ابن عباس في الآية " يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق وموت وحياة ومطر، حتى يكتب الحاج يحج فلان ويحج فلان " وقال ابن عمر: " أمر السنة إلى السنة إلا الشقاوة والسعادة، فإنه في كتاب الله لا يبدل ولا يغير " أخرجه ابن أبي حاتم، وأخرج عبد بن حميد وغيره عنه أنه قال: " إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى، ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل من موت أو حياة أو رزق كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها "، وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له قد خرج اسمه في الموتى " وأخرجه ابن أبي الدنيا وابن جرير عن عثمان بن محمد، وهذا مرسل لا تقوم به الحجة، ولا يعارض بمثله صرائح القرآن، وما روي في هذا فهو إما مرسل أو غير صحيح، وقد أورد ذلك صاحب الدر المنثور، وأورد ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، وذلك لا يستلزم أنها المراد بقوله في ليلة مباركة (١).
وانتصاب قوله
_________
(١) زاد المسير ٣٣٧.
(أمراً من عندنا) بيفرق أي يفرق فرقاً لأن أمراً بمعنى فرقاً، قاله الزجاج والفراء، والمعنى أنا نأمر ببيان ذلك ونسخه من اللوح المحفوظ، فهو على هذا منتصب على المصدرية، مثل قولك يضرب ضرباً، قال المبرد أمراً في موضع المصدر، والتقدير أنزلناه إنزالاً، وقال الأخفش انتصابه على الحال، أي آمرين، وقيل على الاختصاص أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا، وفيه تفخيم لشأن القرآن وتعظيم له. وقد ذكر بعض أهل العلم في انتصاب أمراً أثني عشر وجهاً أظهرها ما ذكرناه، وقرأ زيد بن عليّ بالرفع أي هو أمر.


الصفحة التالية
Icon