منكري البعث والجزاء، وهددهم ببيان مآل المجرمين الذين مضوا، ذكر الدليل القاطع، الدال على صحة البعث والجزاء فقال: وما خلقنا الخ.
(إن يوم الفصل) أي يوم القيامة الذي يفصل فيه الحق عن الباطل، والإضافة على معنى في، والظاهر أنها بمعنى اللام (ميقاتهم) أي الوقت المجعول لتميز المحسن من المسيء، والمحق من المبطل (أجمعين) لا يخرج عنهم أحد من ذلك، وقد اتفق القراء على رفع ميقاتهم على أنه خبر إن، واسمها يوم الفصل، وأجاز الكسائي والفراء نصبه على أنه اسمها، ويوم الفصل خبرها، ثم وصف سبحانه ذلك اليوم فقال:
(يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) بدل من يوم الفصل أو منتصب بفعل يدل عليه الفصل، أي يفصل بينهم يوم لا يغني، والمعنى أنه لا ينفع قريب قريباً، ولا يدفع عنه شيئاًً.
ويطلق المولى على الولي، وهو القريب والناصر، وفي المختار المولى المعتق والمعتق وابن العم والناصر والجار، والحليف، أي لا يدفع ابن عم عن ابن عمه ولا صديق عن صديقه شيئاًً، ومولى الأول مرفوع بالفاعلية، والثاني مجرور بعن، وإعرابهما إعراب المقصور كفتى وعصا ورحى، والمراد بالمولى الثاني الكافر، ويالأول المؤمن، أي لا يغني مولىً مؤمن عن مولىً كافر شيئاًً فهذه الآية نظير قوله تعالى (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاًً) الآية.
(ولا هم ينصرون) الضمير راجع إلى المولى وإن كان مفرداً في اللفظ، لأنه في المعنى جمع لأنه نكرة في سياق النفي، وهو من صيغ العموم، أي ولا هم يمنعون من عذاب الله، والجملة توكيد لما قبلها، فالمعنى لا ينصر المؤمن الكافر، ولو كان بينهما في الدنيا علقة من قرابة أو صداقة أو غيرهما، كما أشار له القرطبي.


الصفحة التالية
Icon