(قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين) فأقسم بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات والمعاصي لهم، وإدخال الشُّبهَ عليهم حتى يصيروا غاوين جميعاً، ولا ينافيه قوله تعالى: (فيما أغويتني) فإن إغواءه تعالى إياه أثر من آثار قدرته تعالى وعزته، وحكم من أحكام قهره وسلطنته، فمآل الإقسام بهما واحد، ولعل اللعين أقسم بهما جميعاً فحكى تارة قسمه بإحداهما وأخرى بأخرى.
ثم لما علم أن كيده لا ينجع إلا في أتباعه وأحزابه من أهل الكفر والمعاصي استثنى من لا يقدر على إضلاله ولا يجد السبيل إلى إغوائه فقال
(إلا عبادك منهم المخلصين) أي الذين أخلصتهم لطاعتك، وعصمتهم مني، وقد تقدم تفسير هذه الآيات في سورة الحجر وغيرها.
(قال فالحق والحق أقول) مستأنفة كالجمل التي قبلها قرأ الجمهور بنصب الحق في الموضعين، على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم، فانتصب، أو هما منصوبان على الإغراء أي الزموا الحق أو مصدران مؤكدان لمضمون قوله:
(لأملأن جهنم) وقرىء برفع الأول ونصب الثاني، فرفع الأول على أنه مبتدأ وخبره مقدر، أي فالحق مني أو فالحق أنا أو خبره لأملأن أو هو خبر مبتدأ محذوف، وأما نصب الثاني فبالفعل المذكور بعده، أي وأنا أقول الحق، وأجاز الفراء وأبو عبيدة أن يكون منصوباً بمعنى حقاً لأملأن جهنم واعترض عليهما بأن ما بعد اللام مقطوع عما قبلها، وروي عن الفراء وسيبويه أيضاًً أن المعنى فالحق أن أملأ جهنم وروي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قرأ برفعهما فرفع الأول على ما تقدم؛ ورفع الثاني بالابتداء؛ وخبره الجملة المذكورة بعده والعائد محذوف.
وقرىء بخفضهما على تقدير حرف القسم، قال الفراء: كما يقول الله عز وجل لأفعلن كذا، وغلطه أبو العباس ثعلب، وقال: لا يجوز الخفض


الصفحة التالية
Icon