(والذين اتخذوا من دونه أولياء) الموصول عبارة من المشركين، ومحله الرفع على الابتداء، وخبره قوله (إن الله يحكم بينهم) وجملة (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) في محل نصب على الحال بتقدير القول والاستثناء مفرغ من أعم العلل، والمعنى والذين لم يخلصوا العبادة لله بل شابوها بعبادة غيره قائلين ما نعبدهم لشيء من الأشياء إلا ليقربونا إلى الله تقريباً، فالزلفى اسم أقيم مقام المصدر، والضمير في نعبدهم راجع إلى الأشياء التي كانوا يعبدونها من الملائكة وعيسى والأصنام، وهم المرادون بالأولياء، والمراد بالزلفى الشفاعة كما حكاه الواحدي عن المفسرين.
قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم من ربكم وخالقكم؟ ومن خلق السموات والأرض؟ ومن أنزل من السماء ماء؟ قالوا الله. فيقال لهم: ما معنى عبادتكم للأصنام؟ قالوا (ليقربونا إلى الله زلفى) ويشفعوا لنا عنده. قال الكلبي: جواب هذا الكلام قوله في سورة الأحقاف: (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة).
(إن الله يحكم بينهم) أي بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كُلاًّ بما يستحقه، فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار وقيل بين المخلصين للدين وبين الذين لم يخلصوا وحذف الأول لدلالة الحال عليه، وقيل: بين المتنازعين من الفريقين (فيما هم فيه يختلفون) أي في الذي اختلفوا فيه من الدين بالتوحيد والشرك، فإن كل طائفة تدّعي أن الحق معها.
(إن الله لا يهدي) أي لا يرشد لدينه ولا يوفق للاهتداء إلى الحق (من هو كاذب) في زعمه أن الآلهة تقربه إلى الله (كفار) أي كفر باتخاذها آلهة، وجعلها شركاء لله لأنه فاقد للبصيرة غير قابل للاهتداء، لتغييره الفطرة بالتمرن في الضلال، والتمادي في الغي، والجملة تعليل لما ذكر من حكمه، والكفار صيغة المبالغة تدل على أن كفر هؤلاء قد بلغ إلى الغاية، وقرأ الحسن والأعرج كذاب على صيغة المبالغة ككفار، ورويت هذه عن أنس.


الصفحة التالية
Icon