ثم ذكر تسخيره لسلطان النهار وسلطان الليل وهما الشمس والقمر فقال: (وسخر الشمس والقمر) أي جعلهما منقادين لأمره بالطلوع والغروب لمنافع العباد ثم بين كيفية هذا التسخير فقال: (كل يجري لأجل مسمى) أي يجري في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا وذلك يوم القيامة: وقد تقدم الكلام على الأجل المسمى لجريهما مستوفى في سورة يس.
(ألا هو العزيز الغفار) ألا حرف تنبيه، وتصدير الجملة بها لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها. والمعنى تنبهوا أيها العباد فالله هو الغالب الساتر لذنوب خلقه بالمغفرة، ثم بين سبحانه نوعاً آخر من قدرته وبديع صنعته فقال:
(خلقكم من نفس واحدة) وهي نفس آدم (ثم جعل منها زوجها) جاء بثم للدلالة على ترتب خلق حواء على خلق آدم وتراخيه عنه لأنها خلقت منه، والعطف إما على مقدر وهو صفة لنفس قال الفراء والزجاج: التقدير خلقكم من نفس خلقها واحدة، ثم جعل منها زوجها، ويجوز أن يكون العطف على معنى واحدة. أي من نفس انفردت بالإيجاد ثم جعل الخ، والتعبير بالجعل دون الخلق مع العطف بثم للدلالة على أن خلق حواء من ضلع آدم أدخل في كونه آية باهرة، دالة على كمال القدرة، لأن خلق آدم هو على عادة الله المستمرة (١) في خلقه، وخلقها على الصفة المذكورة لم يجر به عادة لكونه لم يخلق سبحانه أنثى من ضلع رجل غيرها، وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في سورة الأعراف. ثم بين سبحانه نوعاً آخر من قدرته الباهرة وأفعاله الدالة على ما ذكر فقال: (وأنزل لكم من الأنعام) عبر بالإنزال لما يروي أنه خلقها في الجنة، ثم أنزلها فيكون الإنزال حقيقة كما قيل في قوله (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) فإن آدم لما أهبط إلى الأرض أنزل معه
_________
(١) إن خلق آدم لم يكن على عادة الله المستمرة في خلقه، لأنه خلق من تراب وعلى غير مثال سابق، فخلقه ربما يكون أدخل في كمال القدرة من خلق حواء.
أما بنوه فقد خلقوا على عادة الله المستمرة في خلقه، وهي التناسل. ولعل، هذا ما قصد إليه المؤلف من التعبير بكاف المخاطبين وميم الجمع في قوله تعالى: " خلقكم من نفس واحدة ".