الحديد، ويحتمل أن يكون مجازاً؛ لأنها لما لم تعش إلا بالنبات والنبات إنما يعيش بالماء، والماء منزل من السماء، كانت الأنعام كأنها منزلة لأن سبب سببها منزل. وهذا يسمى التدريج، ومنه قوله تعالى (قد أنزلنا عليكم لباساً) وقيل: إن أنزل بمعنى أنشأ وجعل، أو بمعنى أعطى، وقيل: جعل الخلق إنزالاً لأن الخلق إنما يكون بأمر ينزل من السماء.
(ثمانية أزواج) هي ما في قوله (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ)، (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) ويعني بالاثنين في الأربع المواضع الذكر والأنثى، والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه، ويحصل منهما النسل، فيطلق لفظ الزوج على المفرد إذا كان معه آخر من جنسه لا ينفك عنه، ويحصل منهما النسل، وكذا يطلق على الإثنين فهو مشترك، والمراد هنا الإطلاق الأول، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الأنعام، ثم بين سبحانه نوعاً آخر من قدرته البديعة فقال:
(يخلقكم في بطون أمهاتكم) قرأ حمزة بكسر الهمزة والميم وقرأ الكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم، وقرأ الباقون بضم الهمزة وفتح الميم، وإنما قال (في بطون أمهاتكم) مع أن الإنسان والحيوان مشترك في هذا الخلق لتغليب من يعقل، ولشرف الإنسان على سائر الخلق (خلقاً) كائناً (من بعد خلق) الجملة استئنافية لبيان ما تضمنته من الأطوار المختلفة في خلقهم، وخلقاً مصدر مؤكد للفعل المذكور، ومن بعد خلق صفة له. قال قتادة والسدي نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم لحماً. وقال ابن زيد خلقكم خلقاً في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهر آدم.
(في ظلمات ثلاث) هي ظلمة البطن وظلمة الرحم؛ وظلمة المشيمة؛ قاله مجاهد وقتادة والضحاك، وقال سعيد بن جبير ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم وظلمة الليل وقال أبو عبيدة ظلمة صلب الرجل، وظلمة بطن المرأة؛ وظلمة الرحم والرحم داخل البدن والمشيمة داخل الرحم قال ابن الأعرابي يقال لما يكون فيه الولد المشيمة والكيس والغلاف؛ والجمع مشيم بحذف الهاء، ومشايم، ويقال لها من غيره السلى، والإشارة بقوله (ذلكم


الصفحة التالية
Icon