لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٢١)
(لكن الذين اتقوا ربهم) وهم الذين خوطبوا بقوله (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) ووصفوا بما عدد من الصفات الفاضلة، وهم المخاطبون أيضاً فيما سبق بقوله: (يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) الآية، وقيل لكن ليست للاستدراك لأنه لم يأت قبله نفي، بل هو إضراب عن قصة إلى قصة مخالفة للأولى.
(لهم غرف من فوقها غرف) أي منازل في الجنة رفيعة، فوقها منازل هي أرفع منها، وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض وقوله لهم غرف في معنى وعدهم الله بذلك، وعداً لا يخلفه وأنها (مبنية) بناء المنازل في إحكام أساسها وقوة بنائها، وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها.
(تجري من تحتها الأنهار) أي من تحت تلك الغرف الفوقانية والتحتانية وفي ذلك كمال لبهجتها، وزيادة لرونقها وانتصاب (وعد الله) على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة لأن قوله لهم غرف في معنى وعدهم الله ذلك، وجملة:
(لا يخلف الله الميعاد) مقررة للوعد، أي لا يخلف الله ما وعد به الفريقين من الخير والشر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ قال: " إن أهل الجنة يتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما يتراؤون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق، أو المغرب، لتفاضل ما بينهم، فقالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم،