(ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيراً) هذا كلام مستأنف من جهة الله سبحانه، غير داخل تحت ما أمر الله سبحانه رسوله أن يقوله أي: ومن لم يؤمن بهما كما صنع هؤلاء المخلفون فجزاؤهم ما أعده الله لهم من عذاب السعير، والنار الشديدة، وأقيم الظاهر مقام المضمر للإيذان بأن من لم يجمع بين الإيمان بالله ورسوله فهو كافر مستوجب للسعير، ونكر سعيراً لأنها نار مخصوصة، كما نكر ناراً تلظى، أو للتهويل.
(ولله ملك السموات والأرض) يتصرف فيه كيف يشاء، لا يحتاج إلى أحد من خلقه، وإنما تعبدهم ليثبت من أحسن، ويعاقب من أساء، ولهذا قال: (يغفر لمن يشاء) أن يغفر له (ويعذب من يشاء) أن يعذبه لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، وهذا حسم لأطماعهم الفارغة في إستغفاره ﷺ لهم (وكان الله غفوراً رحيماً) أي كثير المغفرة والرحمة، بليغهما، يختص بمغفرته ورحمته من يشاء من عباده وتقتضي الحكمة مغفرته من المؤمنين دون من عداهم من الكافرين فهم بمعزل عن ذلك قطعاً.
(سيقول المخلفون) المذكورون (إذا انطلقتم) أي عند انطلاقكم أيها المسلمون (إلى مغانم) أي مغانم خيبر (لتأخذوها) أي لتحوزوها (ذرونا) أي: اتركونا ودعونا (نتبعكم) ونشهد معكم غزوة خيبر، وأصل القصة أنه لما انصرف النبي ﷺ ومن معه من المسلمين من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست، أقام بالمدينة بقيته وأوائل المحرم من سنة سبع. وعدهم الله فتح خيبر وخص لغنائمها من شهد الحديبية، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون: ذرونا نتبعكم، فقال سبحانه: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) أي: يغيروه، والمراد بهذا الكلام هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصة، بغنيمة خيبر.
وقال مقاتل: يعني أمر الله لرسوله ألا يسير معه أحد منهم، وقال ابن زيد هو قوله تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) واعترض هذا


الصفحة التالية
Icon