ثم علل سبحانه ما ذكره بقوله: (أن تحبط أعمالكم) قال الزجاج: أي لأن تحبط يعني فتحبط، فاللام المقدرة لام الصيرورة، وهذه العلة تصح أن تكون علة للنهي، أي: نهاكم الله عن الجهر خشية أو كراهة أن تحبط، أو علة للمنهي أي: لا تفعلوا الجهر، فإنه يؤدي إلى الحبوط، فكلام الزجاج ينظر إلى الوجه الثاني لا إلى الأول وجملة:
(وأنتم لا تشعرون) في محل نصب على الحال، وفيه تحذير شديد. ووعيد عظيم، قال الزجاج: وليس المراد قوله: وأنتم لا تشعرون يوجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمناً إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون الكافر كافراً من حيث لا يعلمه.
ثم رغب الله سبحانه في امتثال أمره فقال:
(إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) إجلالاً له وتعظيماً، وأصل الغض النقص من كل شيء، ومنه نقص الصوت (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم) قال الفراء: أخلص قلوبهم (للتقوى) كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده من رديئه، ويسقط خبيثه، وبه قال مقاتل ومجاهد وقتادة، وقال الأخفش: اختصها للتقوى، وقال الواحدي: تقدير الكلام امتحن الله قلوبهم فأخلصها للتقوى، فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه، وهذا الوجه أنسب لأن الكلام وارد في مدح أولئك السادة، الكرام، أو في التعريض بمن ليسوا على وصفهم، ومن ثم قال في فاصلة الآية السابقة: (وأنتم لا تشعرون) وفي فاصلة اللاحقة: (أكثرهم لا يعقلون)، وقيل: طهرها من كل قبيح، وقيل وسعها وشرحها من محنت الأديم إذا وسعته وقال أبو عمر: وكل شيء جهدته فقد محنته، واللام متعلقة بمحذوف أي: صالحة للتقوى، كقولك: أنت صالح لكذا، أو للتعليل كقولك: جئت لأداء الواجب أي: ليكون مجيئي سبباً لأدائه.
(لهم مغفرة وأجر عظيم) خبر آخر لأولئك أو مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم في الآخرة، وهو الظاهر.


الصفحة التالية
Icon