باب الاستعارة التمثيلية، وفي هذا التمثيل والتشبيه إشارة إلى أن عرض الإنسان كدمه ولحمه، لأن الإنسان يتألم قلبه من قرض العرض، كما يتألم جسمه من قطع اللحم وهذا من باب القياس الظاهر، لأن عرض الإنسان أشرف من لحمه ودمه، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الإنسان، لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأن ذلك أشد ألماً قال الفراء: تقديره فقد كرهتموه فلا تفعلوا، والمعنى فلما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء، أو المعنى فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائباً، قال الرازي: الفاء في تقديره جواب كلام كأنه قال: لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه إذن، وقال أبو البقاء: هو معطوف على محذوف تقديره عليكم ذلك فكرهتموه، ولا يمكنكم إنكار كراهته، وبه قال البيضاوي، وقيل: إن صح ذلك عندكم فأنتم تكرهونه، وقيل هو خبر بمعنى الأمر.
(واتقوا الله) بترك ما أمركم باجتنابه (إن الله تواب رحيم) لمن اتقاه وتاب عما فرط منه من الذنب، ومخالفة الأمر، والمبالغة في (التواب) للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده، أو لأنه ما من ذنب يقترفه العبد إلا كان معفواً عنه بالتوبة، أو لأنه لما بولغ في قبول التوبة نزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه.
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) هما آدم وحواء، والمقصود أنهم متساوون لاتصالهم بنسب واحد، وكونهم يجمعهم أب واحد وأم واحدة، وأنه لا موضع للتفاخر بينم بالأنساب، وقيل: المعنى أن كل واحد منكم من أب وأم، فالكل سواء.
عن ابن أبي مليكة قال: " لما كان يوم الفتح رقى بلال فأذن على الكعبة، فقال بعض الناس: أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة؟ وقال بعضهم: إن سخط الله هذا يغيره، فنزلت هذه الآية " أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.
وعن الزهري قال: " أمر رسول الله ﷺ بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم، فقالوا: يا رسول الله أنزوج بناتنا موالينا؟ فنزلت


الصفحة التالية
Icon