تقدم أي فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير، قاله الزجاج، وقال المحلي: تبصيراً منا أي تعليماً وتفهيماً واستدلالاً، وقيل منصوبان بفعل مقدر من لفظهما، أي بصرناهم تبصرة، وذكرناهم ذكرى أو تذكرة، وقيل: حالان، أي: مبصرين ومذكرين، وقيل حال من المفعول، أي ذات تبصرة وتذكير لمن يراها، وقال أبو حاتم، أي: جعلنا ذلك تبصرة وذكرى.
قال الرازي: يحتمل أن يكون المصدران عائدين إلى السماء والأرض، أي خلقنا السماء تبصرة، وخلقنا الأرض ذكرى، ويدل على ذلك أن السماء وزينتها غير متجددة في كل عام فهي كالشيء المرئي على ممر الزمان، وأما الأرض فهي كل سنة تأخذ زينتها وزخرفتها، فتذكر، فالسماء تبصرة والأرض تذكرة، ويحتمل أن يكون كل واحد من المصدرين موجوداً من الأمرين، فالسماء تبصرة وتذكرة، والأرض كذلك، والفرق بين التذكرة والتبصرة هو أن فيهما آيات مستمرة منصوبة في مقابلة البصائر، وآيات متجددة مذكرة عند التناسي (لكل عبد منيب) المنيب الراجع إلى الله بالتوبة المتدبر في بديع صنعه، وعجائب مخلوقاته، وفي سياق هذه الآيات تذكير لمنكري البعث، وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة، وبيان لإمكان ذلك وعدم امتناعه، فإن القادر على هذه الأمور يقدر عليه، وهكذا قوله:
(ونزلنا من السماء) أي السحاب (ماء مباركاً) أي كثير البركة لانتفاع الناس به في غالب أمورهم (فأنبتنا به) أي: بذلك الماء (جنات) أي بساتين كثيرة (وحب الحصيد) أي: ما يقتات ويحصد من الحبوب، والمعنى وحب الزرع الحصيد. وخص الحب لأنه المقصود، كذا قال البصريون، وقال الكوفيون: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، كمسجد الجامع حكاه الفراء، وأنها جائزة إذا اختلف اللفظان كحق اليقين، وحبل الوريد، ودار الآخرة، قاله الكرخي قال الضحاك: حب الحصيد البر والشعير وقيل: كل حب يحصد ويدخر ويقتات.


الصفحة التالية
Icon