الأول، قال الكازروني: معناه لم نعجز عن الإبداء فلا نعجز عن الإعادة، قرأ الجمهور بكسر الياء الأولى بعدها ياء ساكنة وقرىء بتشديد الياء من غير إشباع، ثم ذكر سبحانه أنهم في شك من البعث فقال: (بل هم في لبس من خلق جديد) أي في شك وشبهة وحيرة واختلاط من خلق مستأنف، وهو بعث الأموات، لما فيه من مخالفة العادة، وتنكير خلق لتفخيم شأنه والإيذان بأنه حقيق بأن يبحث عنه، ويهتم بمعرفته، ومعنى الإضراب أنهم غير منكرين لقدرة الله على الخلق الأول (بل هم في لبس من خلق جديد) قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم، وذلك تسويله لهم أن إحياء الموتى أمر خارج عن العادة، فتركوا لذلك الإستدلال الصحيح وهو أن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر.
(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية، والمراد بالإنسان الجنس، وقيل: آدم، ونعلم حال بتقدير نحن، والجملة إسمية ولا يصح أن يكون ونعلم حالاً بنفسه لأنه مضارع مثبت باشرته الواو وما مصدرية أو موصولة كما في البيضاوي، والباء زائدة كقولك: صوت بكذا وهمس به أو للتعدية، أي نعلم وسوسة نفسه له، أو نعلم الأمر الذي تحدثه نفسه به، فالنفس تجعل الإنسان قائماً به الوسوسة، والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفي، والمراد بها هنا ما يختلج في سره وقلبه وضميره. أي حديث النفس، وهو ما ليس فيه صوت كالكلية لكن مناسبته للمعنى الأصلي الخفاء في كل، أي: نعلم ما يخفي ويكن في نفسه، ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفي قول الأعشى:
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت.
فاستعمل لما خفي من حديث النفس.
(ونحن أقرب إليه) أي إلى الإنسان، لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضاً، ولا يحجب على الله شيء (من حبل الوريد) هو حبل