أنهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة، وأن الرياسة الدينية مما ينال بأسباب دنيوية، وزل عنهم أنها منوطة بكمالات نفسانية، وملكات روحانية، مبناها الإعراض عن زخارف الدنيا الدنية والإقبال على الآخرة بالكلية، وأن من فاز بها فقد حازها بحذافيرها ومن حرمها فما له منها من خلاق ولم يعلموا أن الله سبحانه يختص برحمته من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويصطفي لدينه من يشاء عن قتادة قال: قال ناس من المشركين: نحن أعز ونحن ونحن فلو كان خيراً ما سبقنا إليه فلان وفلان، فنزلت هذه الآية.
وعن عون بن أبي شداد: " كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة. وكان عمر يضربها على الإسلام وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله في شأنها هذه الآية " وعن سمرة بن جندب أن رسول الله ﷺ قال: " بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة يقولون لو كان خيراً ما جعلهم الله أول الناس فيه ".
(وإذ لم يهتدوا به) أي بالقرآن وقيل: بمحمد ﷺ وقيل بالإيمان (فسيقولون) غير مكتفين بنفي خيريته: (هذا إفك قديم) فجاوزوا نفي خيرية القرآن إلى دعوى أنه كذب قديم كما قالوا أساطير الأولين.
(ومن قبله كتاب موسى) قرأ الجمهور بكسر الميم من (من) على أنها حرف جر وهي مع مجرورها خبر مقدم، وكتاب موسى مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب علي الحال، أو مستأنفة، والكلام مسوق لرد قولهم: (هذا إفك قديم) فإن كونه قد تقدم القرآن كتاب موسى وهو التوراة، وتوافقا في أصول الشرائع يدل على أنه حق، ويقتضي بطلان قولهم. وقرىء بفتح الميم على أنها موصولة ونصب كتاب أي وآتينا من قبله كتاب موسى.
(إماماً) أي يقتدى به في الدين (ورحمة) من الله لمن آمن به وهما منتصبان على الحال، قاله الزجاج وغيره، وقال الأخفش على القطع وقال أبو عبيدة أي جعلناه إماماً ورحمة.


الصفحة التالية
Icon