والكرامة، راضين به ومسرورين، ومتلقين له بالقبول: لا يستوفونه بكماله، لإمتناع استيفاء ما لا نهاية له (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) الجملة تعليل لما قبلها أي لأنهم كانوا في الدنيا قبل دخولهم الجنة محسنين في أعمالهم الصالحة، من فعل ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه، قال ابن عباس: أي قبل أن تنزل الفرائض يعملون، ثم ذكر إحسانهم الذي وصفهم به فقال:
(كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) الهجوع النوم بالليل دون النهار، وبابه خضع والهجعة النومة الخفيفة، والمعنى كانوا قليلاً ما ينامون من الليل ويصلون أكثره، وكذا قال المحلي، وما زائدة أو مصدرية أو موصولة، أي كانوا قليلاً من الليل هجوعهم أو ما يهجعون فيه، والتهجاع القليل من النوم وقيل: ما نافية أي ما كانوا ينامون قليلاً من الليل، فكيف بالكثير منه وهذا ضعيف جداً، وهكذا قول من قال: إن المعنى كان عددهم قليلاً، ثم ابتدأ فقال: من الليل ما يهجعون، وبه قال ابن الأنباري، وهو أضعف مما قبله وقال قتادة في تفسير هذه الآية: كانوا يصلون بين العشاءين وبه قال أبو العالية وابن وهب، قال ابن عباس: ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا، إلا يصلون فيها، وعنه قال: يقول: قليلاً ما كانوا ينامون، وعن أنس قال: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء.
(وبالأسحار هم يستغفرون) أي يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم، قال الحسن: مدوا الصلاة إلى الأسحار ثم أخذوا بالأسحار الاستغفار، وقال الكلبي ومقاتل ومجاهد: هم بالأسحار يصلون، وذلك أن صلاتهم طلب منهم للمغفرة، وقال الضحاك: هي صلاة الفجر، قال ابن عمر: يستغفرون يصلون، قال ابن زيد: السحر السدس الأخير من الليل والمعنى يعدون مع هذا الاجتهاد أنفسهم مذنبين، ويسألون غفران ذنوبهم لوفور علمهم بالله تعالى، وأنهم لا يقدرون على أن يقدروه حق قدره، وإن اجتهدوا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: لا أحصي ثناء عليك،


الصفحة التالية
Icon