فقد فعلت ما أمرك الله به وبلغت رسالته، وكررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإصرار والعناد (فما أنت بملوم) عند الله على الإعراض بعد هذا الإنذار لأنك قد أديت ما عليك وما قصرت فيما أمرت به، وبذلت المجهود في البلاغ، وهذا منسوخ بآية السيف، أو بقوله الآتي وذكر الآية قال ابن عباس: أمره الله أن يتولى عنهم ليعذبهم وعذر محمد صلى الله عليه وسلم، ولما أمره بالإعراض عنهم أمره بأن لا يترك التذكير والموعظة بالتي هي أحسن فقال:
(وذكر) أي جميعهم (فإن الذكرى تنفع المؤمنين) أي من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة، قال الكلبي: المعنى عظ بالقرآن من آمن من قومك، فإن الذكرى تنفعهم، وقال مقاتل: عظ كفار مكة، فإن الذكرى تنفع من كان في علم الله أنه يؤمن، وقيل ذكرهم بالعقوبة وأيام الله وخص المؤمنين بالتذكير لأنهم المنتفعون به.
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) مستأنفة مقررة لما قبلها لأن كون خلقهم لمجرد العبادة مما ينشط رسول الله ﷺ للتذكير، وينشطهم للإجابة، قيل: هذا خاص فيمن سبق بعلم الله أنه يعبده، فهو عموم مراد به الخصوص، قال الواحدي: قال المفسرون هذا خاص لأهل طاعته، يعني من أهل من الفريقين، قال: وهذا قول الكلبي والضحاك، واختيار الفراء وابن قتيبة.
قال القشيري: والآية دخلها التخصيص بالقطع، لأن المجانين والصبيان لم يؤمروا بالعبادة، ولا أرادها منهم، وقد قال: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس)، ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، قاله شيخ الإسلام زكريا نقلاً عن الرازي، فالآية محمولة على المؤمنين منهم، ويدل عليه قراءة أُبيّ بن كعب وابن مسعود، وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون، وقال مجاهد: إن المعنى إلا ليعرفوني قال الكلبي: وهذا قول حسن، لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده، وروي عن مجاهد أنه قال


الصفحة التالية
Icon