ذكر من مور السماء وسير الجبال فويل لهم أي شدة عذاب، ثم وصف المكذبين بقوله:
(الذين هم في خوض يلعبون) أي: في تردد في الباطل واندفاع فيه يلهون، لا يذكرون حساباً، ولا يخافون عقاباً، والمعنى أنهم يخوضون في أمر محمد ﷺ بالتكذيب والاستهزاء، وقيل يخوضون في أسباب الدنيا، ويعرضون عن الآخرة، والخوض من المعاني الغالبة، فإنه يصلح للخوص في كل شيء إلا أنه غلب في الخوض في الباطل، كالإحضار فإنه عام في كل شيء، ثم غلب استعماله في الإحضار للعذاب، قال تعالى: (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)، ونظيره في الأسماء الغالبة، دابة فإنها غلبت في ذوات الأربع، والقوم غلب في الرجال أفاده الكرخي، أخذاً عن حواشي الكشاف.
(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) الدع الدفع بعنف وجفوة، يقال؛ دععته أدعه دعاً أي: دفعته: قال الراغب: أصله أن يقال للعاثر: دع دع، وهذا بعيد من هذه اللفظة، والمعنى: أنهم يدفعون إلى النار دفعاً عنيفاً شديداً، قال مقاتل: تغل أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعون إلى جهنم دفعاً على وجوههم، وقرىء يدعون مخففاً من الدعاء، أي يدعون إلى النار، قال ابن عباس: يدعون يدفعون أي يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار، فإذا دنوا منها قال لهم خزننها:
(هذه النار التي) تشاهدونها هي النار التي (كنتم بها تكذبون) في الدنيا.
ثم وبخهم سبحانه. أو أمر ملائكته بتوبيخهم فقال:
(أفسحر هذا)؟ الذي تشاهدون وترون، كما كنتم تقولون لرسل الله المرسلة، ولكتبه المنزلة هذا سحر، وقدم الخبر هنا على المبتدأ لأنه الذي وقع الاستفهام عنه، وتوجه التوبيخ إليه (أم أنتم لا تبصرون)؟ أي: أم أنتم عمي عن هذا كما كنتم عمياً عن الحق في الدنيا، وهذا بإزاء قولهم في الدنيا: (إنما سكرت أبصارنا) وظاهر كلام الكشاف أن أم منقطعة، حيث قال: أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عمياً عن الخبر، وهذا تقريع وتهكم، وفي التفسير الكبير: هل في أمرنا سحر؟ أم هل في بصركم خلل؟


الصفحة التالية
Icon