الإتيان، يقال: فلان يغشاني كل حين أن يأتيني، وفي إبهام الموصول وصلته من التفخيم والتكثير للغواشي ما لا يخفى، فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله تعالى وجلالته، أشياء لا يحيط بها الوصف، ولا يكتنهها نعت ولا يحصيها عدد، وقيل: يغشاها جراد من ذهب، وقال ابن مسعود: فراش من ذهب، قال الرازي: وهذا ضعيف، لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي، فإن صح فيه خبر وإلا فلا وجه له، وقيل: طوائف من الملائكة، وقال مجاهد: رفرف أخضر، وقيل: رفرف من طيور خضر، وقيل غشيها أمر الله، وقيل نور الخلائق، وقيل نور رب العزة، والمجيء بالمضارع لحكاية الحال الماضية استحضاراً للصورة البديعة أو للدلالة على الإستمرار التجددي.
(ما زاغ البصر) أي ما مال بصر النبي ﷺ عما رآه، ولم يتلفت إلى ما غشى السدرة من فراش الذهب وغيره، هذا بالنظر لكون الذي غشيها هو فراش من الذهب، وبالنظر لكونه أنوار الله لم يلتفت يمنة ولا يسرة، بل اشتغل بمطالعتها، مع أن ذلك العالم غريب عن بني آدم، وفيه من العجائب ما يحير الناظر (وما طغى) أي ما جاوز ما رأى، وفي هذا وصف أدب النبي ﷺ في ذلك المقام، حيث لم يلتفت، ولم يمل بصره، ولم يمده إلى غير ما رأى، وقيل: ما جاوز ما أمر به.
(لقد رأى) أي والله لقد رأى تلك الليلة (من آيات ربه الكبرى) أي العظام ما لا يحيط به الوصف، قيل: رأى رفرفاً سد الأفق، وقيل: رأى جبريل في حلة خضراء كما تقدم، وقيل: عجائب الملكوت، وقال الضحاك: رأى سدرة المنتهى، وقيل: هو كل ما رآه في مسراه تلك الليلة وعوده، ومن للتبعيض، ومفعول رأي: الكبرى، أو رأى شيئاًً عظيماً من آيات ربه، أو من زائدة ولما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص قال للمشركين موبخاً لهم ومقرعاً:


الصفحة التالية
Icon