ولا يأذن الله بالشفاعة لهم ولا يرضاها لكونهم ليسوا من المستحقين لها
(إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي: هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث وما بعده من الدار الآخرة، على الوجه الذي بينته الرسل وهم الكفار يضمون إلى كفرهم مقالة شنعاء، وجهالة جهلاء، وهي أنهم (ليسمون الملائكة) المنزهين عن كل نقص (تسمية الأنثى) وذلك أنهم رأوا في الملائكة تاء التأنيث، وصح عندهم أن يقال: سجدت الملائكة فزعموا أنها بنات الله، فجعلوهم إناثاً وسموهم بنات.
(وما لهم به من علم) أي والحال أنهم غير عالمين بما يقولون، فإنهم لم يعرفوهم ولا شاهدوهم، ولا بلغ إليهم ذلك من طريق من الطرق التي يخبر المخبرون عنها بل قالوا ذلك جهلاً وضلالة وجرأة، وقرىء وما لهم بها أي بالملائكة أو التسمية، ومن زائدة في المبتدأ المؤخر (إن يتبعون إلا الظن) أي ما يتبعون في هذه المقالة إلا مجرد الظن والتوهم، وقال النسفي: هو تقليد الآباء، ثم أخبر سبحانه عن الظن وحكمه فقال:
(وإن الظن لا يغني من الحق شيئاًً) أي: إن جنس الظن لا يغني عن العلم شيئاًً من الإغناء، ومن بمعنى عن، والحق هنا العلم، وفيه دليل على أن مجرد الظن لا يقوم مقام العلم، وإن الظان غير عالم، وهذا في الأمور التي يحتاج فيها إلى العلم، وهي المسائل العلمية لا فيما يكتفي فيه بالظن، وهي المسائل العملية، وقد قدمنا تحقيق هذا، ولا بد من هذا التخصيص، فإن دلالة العموم والقياس وخبر الواحد ونحو ذلك ظنية، فالعمل بها عمل بالظن وقد وجب علينا العمل في هذه الأمور، فكانت أدلة وجوب العمل به فيها مخصصة لهذا العموم، وما ورد في معناه من الذم لمن عمل بالظن والنهي عن اتباعه. وفي الكرخي الظن لا اعتبار له في العارف الحقيقية، وإنما العبرة به في العمليات وما يكون وصلة إليها كمسائل علم الفقه، وقال ابن الخطيب: المراد منه أن الظن لا يغني في الاعتقادات شيئاًً وأما في الأفعال العرفية


الصفحة التالية
Icon