في المدثر: (يوم عسير على الكافرين غير يسير) وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين، ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدم من الأنباء المجملة فقال:
(كذبت قبلهم) أي: قبل قريش (قوم نوح) أي كذبوا نبيهم وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فكذبوا عبدنا) تفصيل بعد إجمال، وتفسير لما قبله من التكذيب المبهم، وفيه مزيد تقرير وتأكيد أي فكذبوا نوحاً والفاء على هذا تفصيلية فإن التفصيل يكون عقب الإجمال، وقيل معناه كذبوه تكذيباً بعد تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب، تبعه قرن مكذب والفاء حينئذ للتعقيب، والمكذب الثاني غير الأول، وإن اتحد المكذب أو كذبوه بعد ما كذبوا جميع الرسل والفاء على هذا للتسبب، وإنما لم يرتض القاضي هذين الوجهين، وإن جرى في الكشاف عليهما، لأن الظاهر هو الاتحاد في كليهما.
ثم بين سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرد التكذيب فقال: (وقالوا مجنون) أي نسبوا نوحاً إلى الجنون (وازدجر) معطوف على قالوا، أي وزجر عن دعوى النبوة، وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر، وقيل: إنه معطوف على مجنون، أي: وقالوا: إنه ازدجرته الجن وتخبطته، وذهبت بلبه، والأول أولى، قال مجاهد: هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسب، وأنواع الأذى، قال الرازي: وهذا أصح لأن المقصود تقوية قلب النبي ﷺ بذكر من تقدمه.
(فدعا) نوح (ربه) على قومه: (أني) أي بأني، وقرىء بكسر الهمزة إما على إضمار القول، أي فقال: إني، وإما إجراء للدعاء مجرى القول، وهو مذهب الكوفيين (مغلوب) من جهة قومي، لتمردهم عن الطاعة، وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة، وذلك بعد صبره عليهم غاية الصبر حيث مكث ألف سنة إلا خمسين عاماً يعالجهم، فلم يفد فيهم شيئاًً ولما يئس


الصفحة التالية
Icon