ثم امتن بعد هذه النعمة، بنعمة الخلق التي هي مناط كل الأمور، ومرجع جميع الأشياء فقال:
(خلق الإنسان) أي آدم قاله قتادة والحسن، وقال ابن كيسان: المراد هنا محمد صلى الله عليه وسلم، والأولى حمل الإنسان على الجنس، وقدم تعليم القرآن للإنسان على خلقه، وهو متأخر عنه في الوجود، لأن التعليم هو السبب في إيجاده وخلقه. أفاده السمين، ثم امتن ثالثاً بتعليمه البيان الذي يكون به التفاهم، ويدور عليه التخاطب، وتتوقف عليه مصالح المعاش والمعاد، لأنه لا يمكن إبراز ما في الضمائر، ولا إظهار ما يدور في الخلد إلا به، فقال:
(علمه البيان) قال قتادة والحسن: المراد بالبيان أسماء كل شيء، وقيل المراد به اللغات كلها، فكان آدم يتكلم بسبعمائة لغة أفضلها العربية، وقيل: الإنسان اسم جنس، وأراد به جميع الناس، أي: علمه النطق الذي يتميز به عن سائر الحيوان، وقيل: أراد بالإنسان محمداً صلى الله عليه وسلم، علمه بيان ما يكون وما كان لأنه ﷺ ينبىء عن خير الأولين والآخرين، وعن يوم الدين، وقال ابن كيسان: المراد به بيان الحلال من الحرام والهدى من الضلال وهو بعيد، وقال الضحاك: البيان الخير والشر والحدود والأحكام، وقال الربيع ابن أنس: هو ما ينفعه مما يضره، وقيل: البيان الكتابة بالقلم، والأولى حمل البيان على تعليم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به:
(الشمس والقمر بحسبان) أي يجزيان بحساب معلوم، مقدر في بروج ومنازل، لا يعدوانها ولا يحيدان عنها، ويدلان بذلك على عدد الشهور والسنين ويتسق بذلك أمور الكائنات السفلية، وتختلف الفصول والأوقات، وقال ابن زيد وابن كيسان: يعني أن بهما تحسب الأوقات والآجال والأعمار، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب لأن الدهر يكون كله ليلاً أو نهاراً، قال الضحاك: معنى بحسبان بقدر، وقال مجاهد:


الصفحة التالية
Icon