عدم السؤال هو عند البعث، والسؤال هو في موقف الحساب، وقال ابن عباس: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم؛ ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا؟ والجان والإنس كل منهما إسم جنس، يفرق بينه وبين واحدة بالياء كزنج وزنجي
(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فإن من جملتها هذا الوعيد الشديد، لكثرة ما يترتب عليه من الفوائد.
(يعرف المجرمون بسيماهم) هذه الجملة جارية مجرى التعليل لعدم السؤال والسيما العلامة، قال الحسن: سيماهم سواد الوجوه، وزرقة الأعين، كما في قوله: (ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً)، وقال: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) وقيل سيماهم ما يعلوهم من الحزن والكآبة.
(فيؤخذ بالنواصي والأقدام) قال أبو حيان: يؤخذ متعد ومع ذلك تعدى بالباء لأنه ضمن معنى يسحب، قلت: يسحب إنما يتعدى بعلى قال تعالى: (يوم يسحبون في النار على وجوههم) فكان ينبغي أن يقال ضمن معنى يدفع أي يدفعون، وقال مكي: إنما يقال؛ أخذت الناصية وأخذت بها ولو قلت أخذت الدابة بالناصية لم يجز، وحكي عن العرب أخذت الخطام، وأخذت بالخطام بمعنى قاله الكرخي، والنواصي شعور مقدم الرأس والمعنى أنها تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي وتلقيهم الملائكة في النار، وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره، وقيل: تسحبهم الملائكة إلى النار تارة تأخذ بنواصيهم، وتجرهم على وجوههم، وتارة تأخذ بأقدامهم وتجرهم على رؤوسهم.
قال ابن عباس: تأخذ الزبانية بناصيته وقدميه، ويجمع فيكسر كما يكسر الحطب في التنور
(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فإن من جملتها هذا الترهيب الشديد، والوعيد البالغ الذي ترجف له القلوب، وتضطرب لهوله الأحشاء.


الصفحة التالية
Icon