(هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا يقال لهم عند الأخذ بالنواصي والأقدام؟ فقيل: يقال لهم تقريعاً وتوبيخاً هذه جهنم التي تشاهدونها، وتنظرون إليها مع أنكم كنتم تكذبون بها وتقولون إنها لا تكون.
(يطوفون) أي يترددون ويسمعون (بينها) أي بين جهنم فتحرقهم (وبين حميم آن) فيصيب وجوههم فيحرقون بها، فيستغيثون منها فيسعى بهم إلى الحميم والحميم الماء الحار، والآن الذي قد انتهى حره، وبلغ غايته، كذا قال الفراء وقال الزجاج: أنى يأنى أنى فهو آن إذا انتهى في النضج والحرارة وقال ابن عباس: هو الذي انتهى حره وقيل: هو واد من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار فيغمسون فيه بأغلالهم حتى تنخلع أوصالهم قال قتادة: يطوفون مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم.
(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فإن من جملتها النعمة الحاصلة بهذا التخويف وما يحصل به من الترغيب في الخير، والترهيب عن الشر، ولما فرغ سبحانه من تعداد النعم الدنيوية على الثقلين، ذكر نعمه الأخروية التي أنعم بها عليهم فقال:
(ولمن خاف) أي لكل فرد من أفراد الخائفين أو لمجموعهم والأول هو المعتمد (مقام ربه) مقامه سبحانه هو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب كما في قوله: (يوم يقوم الناس لرب العالمين) وقيل: المعنى خاف قيام ربه عليه وهو إشرافه على أحواله واطلاعه على أفعاله وأقواله، كما في قوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، أو قيام الخائف عند ربه للحساب، ومحصله احتمالات ثلاثة في تفسير المقام، أولها أنه أسم مكان، والثاني أنه مصدر تحته احتمالان، إما بمعنى قيام الله على الخلائق، أو بمعنى قيام الخلائق بين يديه، قال مجاهد والنخعي: هو الرجل الذي يهم بالمعصية فيذكر الله


الصفحة التالية
Icon