وهذا بخلاف ثمر الدنيا، فإنها لا تنال إلا بكد وتعب، وقيل: لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك، قال الرازي: جنة الآخرة مخالفة لجنة الدنيا من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الثمرة على رؤوس الشجر في الدنيا بعيدة عن الإنسان المتكىء: وفي الجنة يتكىء والثمرة تتدلى إليه.
وثانيهما: أن الإنسان في الدنيا يسعى إلى الثمرة ويتحرك إليها، وفي الآخرة تدنو منه؛ وتدور عليه.
وثالثها: أن الإنسان في الدنيا إذا قرب من ثمرة شجرة بعد عن غيرها، وثمار الجنة كلها تدنو إليه في وقت واحد، ومكان واحد.
(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فإنها كلها بموضع لا يتيسر لمكذب؛ أن يكذب بشيء منها، لما يشتمل عليه من الفوائد العاجلة والآجلة.
(فيهن) أي في الجنتين المذكورتين، لأن أقل الجمع اثنان أو لاشتمالهما على أماكن وعلالي وقصور ومجالس، قال الزجاج: وإنما قال (فيهن) لأنه عنى الجنتين وما أعد لصاحبهما فيهما من النعيم، أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجني وقيل: (فيهن) أي في الفراش التي بطائنها من إستبرق قال أبو حيان: وفيه بعد، لأن الاستعمال أن يقال على الفراش كذا ولا يقال في الفراش كذا إلا بتكلف. ولذلك جمع الزمخشري مع الفرش غيرها حتى صح له أن يقول ذلك، وقال الفراء: كل موضع في الجنة جنة فلذلك صح أن يقال فيهن.
(قاصرات الطرف) من إضافة اسم الفاعل لمنصوبه تخفيفاً إذ يقال قصر طرفه على كذا، وحذف متعلق القصر للعلم به، أي: إنهن يقصرن أبصارهن على أزواجهن المتكئين من الإنس والجن لا ينظرن إلى غيرهم ولا يرين سواهم


الصفحة التالية
Icon