(وكأس) إناء (من معين) أي من خمر جارية، أو من ماء جار، والمراد به هنا الخمر الجارية من منبع لا ينقطع أبداً، وقد تقدم بيان معنى الكأس في سورة الصافات.
(لا يصدعون عنها) أي لا تتصدع رؤوسهم من شربها كما تتصدع من شرب خمر الدنيا، وعنها كناية عن الكأس أي بسببها، والصداع هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه، والخمر تؤثر فيه، وقيل: المعنى لا يتفرقون كما يتفرق الشراب، ويقوي هذا المعنى قراءة مجاهد: يصدعون بفتح الياء وتشديد الصاد، والأصل يتصدعون أي يتفرقون، والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم.
(ولا ينزفون) أي لا يسكرون فتذهب عقولهم، قرىء بكسر الزاي وبفتحها، وهما سبعيتان، من أنزف الشارب ونزف إذا نفد عقله أو شرابه، أي لا يحصل لهم منها ذهاب عقل، بخلاف خمر الدنيا
(وفاكهة مما يتخيرون) أي يختارونه، يقال: تخيرت الشيء إذا أخذت خيره.
(ولحم طير مما يشتهون) أي ما يتمنون وتشتهيه أنفسهم، والمعنى يطوفون عليهم بهذه الأشياء المأكول والمشروب والمنفكه به، قرأ الجمهور فاكهة ولحم طير بالجر، وقرىء بالرفع على الابتداء، والخبر مقدر، أي ولهم فاكهة ولحم طير، وفي تخصيص الفاكهة بالتخير واللحم بالاشتهاء بلاغة، لأن الجائع مشته والشبعان غير مشته، بل هو مختار، ولذا قدم الفاكهة على اللحم.
" عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه، فيخر بين يديك مشوياً " أخرجه ابن أبي ائدنيا والبزار والبيهقي.
وأخرج أحمد والترمذي والضياء " عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة، فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه الطير لناعمة. قال: آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها "، وفي الباب أحاديث.


الصفحة التالية
Icon