(إنا لمغرمون) قرأ الجمهور بهمزة واحدة على الخبر، وقرىء بهمزتين على الاستفهام، أي أتقولون: إنا لملزمون غرماً بما هلك من زرعنا؟ والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، قاله الضحاك وابن كيسان والكرخي، وقال الزمخشري: أي لملزمون غرامة ما أنفقنا، وقيل: المعنى إنا لمعذبون: قاله قتادة وغيره، وقال مجاهد وعكرمة: لمولع بنا يقال: أغرم فلان لفلان أي أولع به، وقال مقاتل: مهلكون أي لهلاك رزقنا، قال النحاس: مأخوذ من الغرام وهو الهلاك؛ والظاهر من السياق المعنى الأول أي إنا لمغرمون بذهاب ما حرثنا ومصيره حطاماً، ثم أضربوا عن قولهم هذا وانتقلوا فقالوا:
(بل نحن محرومون) أي حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا، والمحروم الممنوع من الرزق الذي لا حظ له فيه، وهو المحارف، وقيل: محارفون محدودون لا مجدودون.
(أفرأيتم الماء الذي تشربون) فتسكنون به ما يلحقكم من العطش وتدفعون به ما ينزل بكم من الظمأ، واقتصر سبحانه على ذكر الشرب مع كثر فوائد الماء ومنافعه، لأنه أعظم فوائده وأجل منافعه
(أأنتم أنزلتموه من المزن)؟ أي السحاب قاله ابن عباس، وقال أبو زيد: المزنة السحاب البيضاء، والجمع مزن والمزنة المطر قاله في الصحاح (أم نحن المنزلون) دون غيرنا، فإذا عرفتم ذلك فكيف لا تقرون بالتوحيد وتصدقون بالبعث ثم بين لهم سبحانه أنه لو يشاء لسلبهم هذه النعمة فقال:
(لو نشاء جعلناه أجاجاً) الأجاج الماء الشديد الملوحة، الذي لا يمكن شربه، وقال الحسن هو الماء المر الذي لا ينتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما.
(فلولا) أي فهلا (تشكرون) نعمة الله الذي خلق لكم ماء عذباً تشربون منه وتنتفعون به
(أفرأيتم النار التي تورون) أي أخبروني عنها، ومعنى تورون تستخرجونها بالقدح من الشجر الرطب، يقال: أوريت النار إذا قدحتها، والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر، ويسمون الأعلى الزند والسفلى الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة.


الصفحة التالية
Icon