(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فامتن الله سبحانه على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ولا ينافي هذا الاقتصار ههنا على ذكر إجارتهم من عذاب أليم، ومما يؤيد هذا أن الله سبحانه قد جازى كافرهم بالنار، وهو مقام عدل فكيف لا يجازي محسنهم بالجنة، وهو مقام فضل، ومما يؤيد هذا أيضاًً ما في القرآن الكريم في غير موضع أن جزاء المؤمنين الجنة وجزاء من عمل الصالحات الجنة وجزاء من قال لا إله إلا الله الجنة وغير ذلك مما هو كثير في الكتاب والسنة.
وقد اختلف أهل العلم هل أرسل الله إلى الجن رسولاً منهم؟ أم لا؟ وظاهر الآيات القرآنية أن الرسل من الإنس كما في قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى) وقال (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) وقال سبحانه في إبراهيم الخليل (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب) فكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم فهو من ذريته وأما قوله سبحانه في سورة الأنعام (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) فقيل المراد من مجموع الجنسين ما صدق عليه أحدهما وهم الإنس كقوله (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) أي من أحدهما.
(ومن) شرطية (لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) أي: لا يفوت الله ولا يسبقه ولا يقدر على الهرب منه لأنه وإن هرب كل مهرب فهو في الأرض لا سبيل له إلى الخروج منها وفي هذا ترهيب شديد.
(وليس له من دونه أولياء) أي أنصار يمنعونه من عذاب الله بين سبحانه بعد استحالة نجاته بنفسه استحالة نجاته بواسطة غيره (أولئك) أي: من لا يجب داعي الله.
(في ضلال مبين) أي ظاهر واضح، وهذا آخر كلام الجن الذين سمعوا القرآن. وقد اجتمع ههنا همزتان مضمومتان من كلمتين وليس لهما نظير في القرآن غير هذا، ثم ذكر سبحانه دليلاً على البعث فقال: