الكلام حذف، والتقدير: لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل، فحذف لظهوره، ولدلالة ما سيأتي عليه، فإن الاستواء يكون بين الشيئين ولا يتم إلا بذكر اثنين، وإنما كانت النفقة والقتال قبل الفتح أفضل من النفقة والقتال بعده، لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر، وهم أقل وأضعف.
وتقديم الإنفاق على القتال للإيذان بفضيلة الإنفاق لما كانوا عليه من الحاجة، فإنهم كانوا يجودون بأنفسهم ولا يجدون ما يجودون به من الأموال، وعطف القتال على الإنفاق للإيذان بأنه أهم مواد الإنفاق، مع كونه في نفسه من أفضل العبادات.
والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
(أولئك) إشارة إلى (من) باعتبار معناه، وهو مبتدأ وخبره قوله: (أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) أي أرفع منزلة، وأعلى رتبة، من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله من بعد الفتح، وقاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها، قال الزجاج: لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت بصائرهم أيضاًً أنفذ.
" وقد أرشد ﷺ إلى هذه الفضيلة بقوله فيما صح عنه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وهذا خطاب منه ﷺ للمتأخرين صحبة، كما يرشد إلى ذلك السبب الذي ورد فيه هذا الحديث.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم.
" عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، قلنا: من هم يا رسول الله؟ أقريش؟ قال: لا، ولكنهم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوباً، فقلنا: أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، ألا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس، (لا