من نوره على إبهامه يطفأ مرة ويقد أخرى، قال الفراء: الباء بمعنى في، أي في جهة أيمانهم، وهذا على قراءة العامة أعنى بفتح الهمزة جمع يمين، وقيل: الباء بمعنى عن، أي: عن جميع جهاتهم، وإنما خص الأيمان لأنها أشرف الجهات وقرىء بكسرها على أن المراد بالإيمان ضد الكفر، وهذا المصدر معطوف على الظرف قبله، والباء سببية، أي يسعى كائناً بين أيديهم وكائناً بإيمانهم، وقال أبو البقاء: تقديره وبإيمانهم استحقوه أو وبإيمانهم، يقال لهم، أي تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم، (بشراكم اليوم) أي بشارتكم العظيمة في جميع ما يستقبلكم من الزمان.
(جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) أي دخول جنات، لأن البشارة تقع بالإحداث دون الجثث (ذلك هو الفوز العظيم) لا يقادر قدره، حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سواه والإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة، هذا إذا كان قوله: (ذلك هو الفوز العظيم) قول الله تعالى، لا من جملة مقول الملائكة، وإلا فالإشارة حينئذ إلى الجنة بتأويل ما ذكر، أو لكونها فوزاً ذكره الكرخي.
(يوم) أي اذكر يوم (يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا) واللام للتبليغ كنظائرها: (انظرونا) أي: انتظرونا يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة، قرأ الجمهور انظرونا أمراً بوصل الهمزة وضم الظاء، مشتق من النظر، بمعنى الإنتظار وقرىء من الإنظار بقطع الهمزة أي: أمهولنا وأخرونا يقال: أنظرته واستنظرته أي: امهلته واستمهلته قال الفراء: تقول العرب انظرني أي: انتظرني.
وقيل: معناه انظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، فيستضيؤا بنورهم، وهذا أليق بقوله: (نقتبس من نوركم) أي نستضيء منه إلا أن الشيخ أبا حيان قال: إن النظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا


الصفحة التالية
Icon