أو معطوف على علة مقدرة كأنه قيل: ليستعملوه وليعلم الله، والأول أولى، والمعنى أن الله أمر في الكتاب الذي أنزل بنصرة دينه ورسله فمن نصر دينه ورسله علمه ناصراً، ومن عصى علمه بخلاف ذلك، ومعنى (بالغيب) غائباً عنهم أو غائبين عنه.
(إن الله قوي عزيز) أي قادر على كل شيء غالب لكل شيء، وليس له حاجة في أن ينصره أحد من عباده وينصر رسله، بل كلفهم بذلك لينتفعوا به إذا امتثلوا، ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين، قال أبو نصر العتبي: وقد كان يختلج في صدري معنى هذه الآية لجمعها بين الكتاب والميزان والحديد على تنافر ظاهرها في المناسبة، وبعدها قبل الروية والإستنباط، وسألت عدة من أعيان العلماء المذكورين بالتفسير، والمشهورين من بينهم بالتذكير فلم أحصل منهم على جواب، حتى أعملت التفكر، وأمعنت التدبر، فوجدت الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية يبين سبل المراشد، ويفصل جمل الفرائض، فيرتهن مصالح الأبدان والنفوس، ويتضمن جوامع الأحكام والحدود، قد حظر فيه التعادي والتظالم، ورفض التباغي والتخاصم، وأمر بالتناصف والتعادل في أقسام الأرزاق المخرجة لهم، بين رجع السماء وصدع الأرض، ليكون ما يصل منها إلى أهل الخطاب بحسب الاستحقاق بالتكسب، دون التغلب والتوثب، واحتاجوا في استدامة حياتهم بأقواتهم مع الصفة المندوب إليها إلى استعمال آلة للعدل، يقع بها التعامل، ويعم معها التساوي والتعادل فألهمهم الله تعالى اتخاذ الآلة التي هي الميزان، فيما يأخذونه ويعطونه، لئلا يتظالموا بمخالفته، فيهلكوا به إذ لم يكن ينتظم لهم العيش مع سوغ ظلم البعض منهم على البعض.
ويدل على هذا المعنى قوله تعالى (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) وذلك أنه تعالى جعل السماء علة للأرزاق والأقوات من أنواع الحبوب والنبات، فكان ما يخرج منها من أغذية العباد، ومرافق حياتهم، مضطراً إلى أن يكون اقتسامه بينهم على الإنصاف دون الجزاف، ولم يكن يتم ذلك إلا بهذه الآلة المذكورة، فنبه


الصفحة التالية
Icon