(ورهبانية ابتدعوها) أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها فالنصب على الاشغال وليس بمعطوفة على ما قبلها وقيل: معطوفة على ما قبلها أي وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عند أنفسهم، والأول أولى ورجحه أبو علي الفارسي والزمخشري وأبو البقاء وجماعة إلا أن هؤلاء يقولون: إنه إعراب المعتزلة وذلك أنهم يقولون: ما كان من فعل الإنسان فهو مخلوق له فالرأفة والرحمة لما كانتا من فعل الله نسب خلقهما إليه، والرهبانية لما لم تكن من فعل الله تعالى، بل من فعل العبد يستقل بفعلها نسب ابتداعها إليه والرهبانية بفتح الراء وضمها وقد قرىء بهما وهي بالفتح الخوف من الرهب وبالضم منسوبة إلى الرهبان، وذلك لأنهم غلوا في العبادة وحملوا على أنفسهم المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والمنكح والملبس وتعلقوا بالكهوف والصوامع والغيران والديرة، لأن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي منهم نفر قليل فترهبوا وتبتلوا، ذكر معناه الضحاك وقتادة وغيرهما وإنما خصت بذكر الابتداع لأن الرأفة والرحمة في القلب أمر غريزي لا تكسب للإنسان فيه بخلاف الرهبانية فإنها من أفعال البدن وللإنسان فيها تكسب.
(ما كتبناها عليهم) صفة ثانية لرهبانية أو مستأنفة مقررة، لكونها مبتدعة من جهة أنفسهم، والمعنى: ما فرضناها عليهم (إلا ابتغاء رضوان الله) الإستثناء منقطع، أي ما كتبناها نحن عليهم رأساً، ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، وإلى هذا ذهب قتادة وجماعة، وقيل: متصل، أي ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلا لابتغاء مرضاة الله، ويكون كتب بمعنى قضى، وهذا قول مجاهد، وقال الزجاج: معناه لم نكتب عليهم شيئاً البتة، قال: ويكون إلا ابتغاء رضوان الله بدلاً من الهاء والألف في كتبناها، والمعنى ما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله.
(فما رعوها حق رعايتها) أي لم يرعوا هذه الرهبانية التي ابتدعوها من جهة أنفسهم، وما قاموا بها حق القيام، بل ضيعوها، وكفروا بدين عيسى،


الصفحة التالية
Icon