صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى مكة عام الفتح، بعد أن كان قد استنفرهم ليخرجوا معه وخافوا أن يكون قتال وقالوا: يذهب إلى قوم قد غزوه في قعر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه يعنون بأحد (شغلتنا أموالنا وأهلونا) أي منعنا من الخروج معك ما لنا من الأموال والنساء والذراري وليس لنا من يقوم بهم، ويخلفنا عليهم وإنا لو تركناهم لضاعوا.
(فاستغفر لنا) ليغفر الله لنا ما وقع منا من التخلف عنك لهذا السبب ولما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد بل على طريقة الاستهزاء وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم فضحهم الله بقوله: (يقولون بألسنتهم) من طلب الاستغفار وما قبله (ما ليس في قلوبهم) فهم كاذبون في إعتذارهم وفي طلب الإستغفار لهم وهذا هو صنيع المنافقين، والجملة مستأنفة لبيان ما تنطوي عليه بواطنهم أو بدل من الجملة الأولى ثم أمر الله سبحانه رسوله ﷺ أن يجيب عنهم فقال:
(قل فمن يملك لكم من الله شيئاًً)؟ أي فمن يمنعكم مما أراده الله بكم من خير وشر ونفع وضر والاستفهام بمعنى النفي أي لا أحد يقدر لأجلكم من مشيئته وقضائه فما في النظم مجاز عن هذا ثم بين ذلك فقال: (إن أراد بكم ضراً) أي إنزال ما يضركم من ضياع الأموال وهلاك الأهل والقتل والهزيمة والعقوبة على التخلف قرأ الجمهور ضراً بفتح الضاد، وهو مصدر ضررته ضراً وقرىء بضمها وهو اسم ما يضر وقيل لغتان وسبعيتان.
(أو أراد بكم نفعاً) أي نصراً وغنيمة، وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله ﷺ يدفع عنهم الضر، ويجلب لهم النفع، ثم أضرب سبحانه عن ذلك فقال: (بل كان الله بما تعملون خبيراً) أي إن تخلفكم ليس لما زعمتم، بل كان الله خبيراً بجميع ما تعملونه من الأعمال التي من جملتها تخلفكم، وقد علم أن تخلفكم لم يكن لذلك، بل للشك والنفاق وما خطر لكم من الظنون الفاسدة الناشئة عن عدم الثقة بالله، ولهذا قال:


الصفحة التالية
Icon