جميع هذه الصفات على محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، ولا ينكر ذلك إلا من عمى الله عين بصيرته: وخذله عن سبيل هدايته، ومنها ما في إنجيل يوحنا وترجمته بالعربية: إن كنتم تحبوني فحافظوا على كلامي وأنا ألتمس الآب فيرسل إليكم فارقليطاء آخر ليمكث معكم إلى أبد الآبدين انتهى، وهذا من أعظم الدلائل الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وقد أعرض عنه النصارى إعراضاً كلياً.
والفارقليطاء، عجمية يونانية معناه الشافع والواسطة والمسلي والممجد وهذه المعاني تدل على الممدوح، بعضها بالمطابقة وبعضها بالتضمن وبعضها بالالتزام فإن التمجيد مرادف للحمد، والثلاثة الأخر مما توجب الحمد. فهذا هو معنى قوله سبحانه (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)، والدليل على ذلك وصفه بالمكث إلى الأبد والدوام، فإنه لم يأت بعد عيسى عليه السلام أحد يتصف بهذه الصفة غيره، وفي التنكير دلالة على أن هذا الفارقليطاء، الذي هو الآن معكم أي المسيح زمني ولا يبقى إلى الأبد والذي يأتي بعده أبدي.
وإن فسره النصارى بالروح القدس فهذا خطأ لأن الروح القدس لم يبق معهم بعد يوم الدار ولا يوجد معهم في زماننا هذا غير روح إبليس شيء فيكون عدولهم عن اتباع أمره هو محافظتهم عليه، وإلا فإن كان الفارقليطاء عبارة عن الروح القدس الذي نزل على الحواريين يوم الدار لاستطاع أساقفة النصارى وقسوسهم أن يفعلوا الخوارق التي فعل المسيح، لكنهم لا يستطيعون على شيء من ذلك، فالفارقليطاء ليس بعبارة عن الروح القدس الذي نزل عليهم يوم الدار، أما المقدم فلأن الحواريين كانوا يعملون الخوارق التي كان يفعلها المسيح، وأما التالي فلأنه لم ينقل عنهم لا في الغابر ولا في الحال.
وأما قولنا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم، هو المتصف بالمكث إلى


الصفحة التالية
Icon