يريد به الحاجب عن الظهور إما ما هو من جهة غلبة الجهل والفساد، أو ما هو من جهة تغير أحوال الخلق وانتقالهم من العيافة إلى السذاجة، وذلك لأن المطر يمنع الرجل من الخروج من كنه، وظهر الزهر على الربى، ترغيب له في الإتيان، وبيان نهي القوم لقبول دعوته، وقرب زمان الترنم، تأكيد لقوله: ظهر الزهر إلخ، وفيه إشارة إلى بيان رغبة الناس في تلاوة المصحف، وذلك مما لم يتفق لأحد من الأنبياء، فإني لم أر أمة من الأمم يتعاطون حفظ ناموسهم على الخاطر كما يفعل المسلمون من حفظ القرآن، وقد سمع صوت اليمامة في أرضنا الخ، هذا كله ماض بمعنى المستقبل الضروري الوقوع، فقم يا محبوبي وجميلي وتعال.
هذا كله ظاهر الدلالة على الطلب، فإن قلت: يمكن أن لا يكون مطلب سليمان من هذا التنبيء محمداً صلى الله عليه وسلم، قلت: فحينئذ إما أن يكون كلامه يخص نبياً آخر أو معشوقاً مجازياً أو يكون مهملاً، ولا سبيل إلى كل واحد منها أما إلى الشق الأخير فلأنه كلام الله أو كلام النبي، والإهمال ممتنع عليهما أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأن النبي رجل يختصه الله بتبليغ كلامه من بين أهل عصره، فيجب أن يكون عاقلاً، والعاقل لا يتكلم بالمهمل، وإلا فإذا حصل الشك في صحة بعض أنبائه يفسد اليقين بها في الكل، ولأن أكثر القوم ذهبوا إلى عصمة الأنبياء مما هو يخل بالعصمة، وأما أنه لا سبيل إلى كونه معشوقاً مجازياً، فلأنه لا يجوز للنبي أن يدخل سائر كلامه في الوحي، وإن فعله فقد عصى، ولأنه إما أن يكون ذكراً أو أنثى وعلى كلا الوجهين يلزم منه تفسيق النبي وهو باطل.
وأما أنه لا سبيل إلى كونه نبياً آخر فلوجوه:
الأول أن النصوص المشتبهة قد أخذها القوم من اليهود والنصارى، ولم يبق إلا ما شبهة فيه.
والثاني أنه لم يتنبأ إلا على اثنين فقط، وهما يحيى بن زكريا وعيسى ابن


الصفحة التالية
Icon