إن المنافقين لكاذبون) أي في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب، وخلوص الاعتقاد، لا في منطوق كلامهم، وهو الشهادة بالرسالة، فإنه حق يعني أنهم لكاذبون فيما تضمنه كلامهم، من التأكيد الدال على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد، وطمأنينة قلب، وموافقة باطن لظاهر، أو إنهم كاذبون عند أنفسهم، لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم: إنك لرسول الله كذب، وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه.
(اتخذوا أيمانهم جنة) أي جعلوا حلفهم الذي حلفوا لكم به إنهم لمنكم، وإن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاية تقيهم منكم، وسترة يستترون بها من القتل والأسر، قال النسفي: وفيه دليل على أن أشهد يمين، قال ابن عباس: اجتنبوا بأيمانهم من القتل والحرب، والجملة مستأنفة لبيان كذبهم وحلفهم عليه، قرأ الجمهور أيمانهم بفتح الهمزة وقرىء بكسرها، وقد تقدم تفسير هذا في سورة المجادلة، والجنة الترس ونحوه، وكل ما يقيك سوءاً ومن كلام الفصحاء جبة البرد جنة البرد.
(فصدوا عن سبيل الله) أي منعوا الناس عن الإيمان والجهاد وأعمال الطاعة، بسبب ما يصدر منهم من التشكيك، والقدح في النبوة، وهذا معنى الصد الذي بمعنى الصرف، ويجوز أن يكون بمعنى الصدود، أي أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه (إنهم ساء ما كانوا يعملون) من النفاق والصد، و (ساء) هذه هي الجارية مجرى بئس، في إفادة الذم، ومع ذلك ففيها معنى التعجيب، وتعظيم أمرهم عند السامعين.
(ذلك) أي ما تقدم ذكره من الكذب والصد وقبح الأعمال (بأنهم) أي بسبب أنهم (آمنوا) باللسان في الظاهر نفاقاً (ثم كفروا) بالقلب في الباطن، فثم للترتيب الإخباري لا الإيجادي، أو أظهروا الإيمان للمؤمنين وأظهروا الكفر للكافرين، وهذا صريح في كفر المنافقين، وقيل: نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدوا، والأول أولى كما يفيده السياق.
(فطبع على قلوبهم) أي ختم عليها بسبب كفرهم، قرأ الجمهور طبع مبنياً للمفعول، وقرىء مبنياً للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه،


الصفحة التالية
Icon